ثالثًا: والفريق الثالث من العلماء ذهب إلى التفريق بين بعض الشرعيات وبعضها الآخر، فيرى أن النهي عن العبادات يدل على بطلانها؛ وأن النهي عن المعاملات لا يدل على بطلان فيها ولا صحة وهو اختار المحققين من الشافعية كالقفال والغزالي، كما اختاره الإمام الرازي في المحصول. وكذا أتباعه، ومنهم صاحب الحاصل، وبه قال كثير من المعتزلة كأبي عبد الله البصري والقاضي عبد الجبار، واختاره الكمال بن الهمام من الحنفية. تفصيل الكلام في الرأي الأول حيث يرى الإمام الشافعي ﵁ أن النهي المطلق عن التصرفات الشرعية، الأصل فيه أن يقتضي القبح والتحريم لذات التصرف المنهى عنه، فيكون باطلًا غير مشروع بأصله ووصفه، كما أنه إن دلّ الدليل على أن النهي متوجه إلى الوصف اللازم أفاد بطلان التصرف أيضًا، فلا فرق عنده بين المنهيّات الحسّية والشرعية، ولا بين الشرعيات من عبادات ومعاملات، أن النهي إن كان مطلقًا، أو دلّ الدليل على أنه للوصف اللازم أفاد في ذلك كله القبح والتحريم، فيفيد البطلان. نقل هذا المذهب ابن برهان في الوجيز عن الإمام الشافعي ﵁، ونص الشافعي في الرسالة قبيل أصل العلم ما يفيد أن النهي عن التصرفات الشرعية يدل على بطلانها فبعد أن عرض أنواعًا من الأنكحة المنهي عنها بقوله: "فأما إذا عقد بهذه الأشياء كان النكاح مفسوخًا بنهي الله في كتابه وعلى لسان نبيه عن النكاح بحالات نهي عنها، فذلك مفسوخ، وذلك أن ينكح الرجل أخت امرأته وقد نهى الله الجمع بينهما، وأن ينكح الخامسة وقد انتهى الله به إلى أربع، فبين النبي أن انتهاء الله به إلى أربع خطر عليه أن يجمع بين أكثر منهن، أو ينكح المرأة على عمتها أو خالتها وقد نهى النبي عن ذلك، وأن ينكح المرأة في عدتها، فكل نكاح كان من هذا لم يصح، وذلك أنه قد نهى عن عقده، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم. ومثله - والله أعلم - أن النبي نهى عن الشغار، وأن النبي نهى عن نكاح المتعة وأن النبي نهى المحرم أن ينكح أو ينكح، فنحن نفسخ هذا كله من النكاح في هذه الحالات التي نهى عنها بمثل ما فسخنا به ما نهى عنه مما ذكر قبله، وقد يخالفنا في هذا غيرنا، وهو مكتوب في غير هذا الموضع. ومثله أن ينكح المرأة بغير إذنها فتجيز بعد، فلا يجوز؛ لأن العقد وقع منهيًا عنه؛ قال بعد هذا -: ومثل هذا ما نهى عنه رسول الله بيع الغرر، وبيع الرطب بالتمر إلا في العرايا، أو غير ذلك مما نهى عنه، وذلك أن أصل مال كل امرئ محرم على غيره إلا بما أحل به. وما أحل به من البيوع ما لم ينه عنه رسول الله ولا يكون ما نهى عنه رسول الله من البيوع محلًّا ما كان أصله محرمًا من مال الرجل لأخيه، ولا تكون المعصية بالبيع المنهى عنه تحل =