فمعلوم أَنه لايمكنه أَن يسْتَدلّ بِالدَّلِيلِ الَّذِي يذكرهُ لَهُ إِلَّا بعد أَن يعرف طرفا من اللُّغَة وَكَيْفِيَّة الِاسْتِدْلَال بِالْخِطَابِ وَأَنه لَيْسَ فِي الْأَدِلَّة مَا يعدل بِهِ عَن ظَاهِرَة من نسخ أَو تَخْصِيص أَو غير ذَلِك فان رَجَعَ إِلَى قَول الْعَالم فِي ذَلِك فقد قَلّدهُ وَإِن فحص عَن الْأَخْبَار وَوجه المقاييس لم يتَمَكَّن من ذَلِك إِلَّا فِي الزَّمَان الطَّوِيل وزمان الْحَادِثَة يضيق عَن ذَلِك وَقد لَا يُمكنهُ إِذا عرف وفحص عَن ذَلِك أَن يجْتَهد فكثير من أَصْحَاب الحَدِيث يعْرفُونَ مَا رُوِيَ من الحَدِيث وَلَيْسوا من أهل الِاجْتِهَاد فاذا أبطلنا هَذِه الْأَقْسَام لم يبْق للعامي طَرِيق إِلَّا التَّقْلِيد وَقد اسْتدلَّ على تَقْلِيد الْعَاميّ الْعَالم بِأَن قيس على رُجُوع الْعَالم إِلَى رِوَايَة الْمخبر الْوَاحِد
وَاحْتج من منع من تَقْلِيد الْعَاميّ فِي الْفُرُوع بِأَن الْعَاميّ لَا يَأْمَن أَن يكون من قَلّدهُ لم ينصح فِي الِاجْتِهَاد فَيكون فَاعِلا لمفسدة وَهَذَا منتقض بِرُجُوع الْعَالم إِلَى الْمخبر الْوَاحِد لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن أَن يكون قد كذبه فِي خَبره فَيكون بامتثاله للْخَبَر فَاعِلا للمفسدة
فان قَالُوا مصلحَة الْعَالم أَن يعْمل بِخَبَر من ظن صدقه من الْعَامَّة وَإِن كَانَ كَاذِبًا قُلْنَا وَكَذَلِكَ مصلحَة الْعَاميّ أَن يعْمل بِحَسب فَتْوَى الْمُفْتِي وَإِن كَانَ غاشا وقاسوا التَّقْلِيد فِي الْفُرُوع على التَّقْلِيد فِي التَّوْحِيد وَالْعدْل بِغَيْر عِلّة وكل قِيَاس لَا عِلّة فِيهِ فَبَاطِل ويعارضون بِالرُّجُوعِ إِلَى خبر الْوَاحِد وَالْفرق بَينهمَا أَن الْحق فِي التَّوْحِيد وَالْعدْل وَغَيرهمَا يحصل لَا بِحَسب حَال الْإِنْسَان وظنه بل الْحق فِيهِ وَاحِد فاذا قلد فِيهِ الْمُقَلّد لم يَأْمَن أَن يكون من قَلّدهُ لم يصب ذَلِك الْحق وَأما الشرعيات فَالْحق فِيهَا كَونهَا مصلحَة وَفعل الْإِنْسَان قد يكون مصلحَة لَهُ إِذا كَانَ على حَال مَخْصُوصَة فَلَا يمْتَنع أَن يكون مصْلحَته مَعَ أَنه لَيْسَ من أهل الِاجْتِهَاد أَن يعْمل بِحَسب فَتْوَى الْمُفْتِي فَيَأْمَن أَن يكون مقدما على جهل وَخطأ كَمَا أَن مصلحَة الْعَالم أَن يعْمل بِحَسب مَا أخبر بِهِ الْوَاحِد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وايضا فالعامي إِنَّمَا يلْزمه النّظر فِي مسَائِل مَخْصُوصَة فِي الْعدْل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute