للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبث وَالْأول بَاطِل لِأَنَّهُ كَمَا لَا يمْتَنع فِي الْعقل أَن تكون مصلحَة النَّبِي الثَّانِي مَعَ امته مُخَالفَة الأول كَذَلِك لَا يمْتَنع أَن تكون مُوَافقَة لمصْلحَة الأول لَا فرق فِي الْعُقُول بَين الْأَمريْنِ واما الثَّانِي فَبَاطِل أَيْضا لِأَنَّهُ لَا يمْتَنع أَن يتعبد النَّبِي الثَّانِي بِالرُّجُوعِ إِلَى دُعَاء النَّبِي الأول ويوحى إِلَيْهِ بعبادات زَائِدَة اَوْ بِشُرُوط زَائِدَة على الْعِبَادَات الَّتِي علمهَا من النَّبِي الأول أَو يُوحى إِلَيْهِ بشريعة الأول لِأَنَّهَا قد درست أَو يُوحى إِلَيْهِ بهَا وَيبْعَث إِلَى غير من بعث إِلَيْهِ النَّبِي الأول وَمَعَ كل هَذِه الْوُجُوه لَا يحصل الْعَبَث

فَأَما كَون نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متعبدا قبل الْبعْثَة بشريعة من تقدمه فقد منع قوم مِنْهُ وَقَالَ بِهِ قوم وَتوقف فِيهِ آخَرُونَ وَذكر قَاضِي الْقُضَاة أَن الشَّيْخ أَبَا هِشَام توقف فِيهِ فِي بعض الْمَوَاضِع وَاخْتلفُوا بعد النُّبُوَّة فَقَالَ قوم كَانَ متعبدا بشريعة من قبله إِلَّا مَا اسْتثِْنَاء الدَّلِيل وَقَالَ آخَرُونَ مَا كَانَ متعبدا بذلك وَاخْتلف من قَالَ كَانَ متعبدا بذلك قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا فَقَالَ قوم كَانَ متعبدا بشريعة إِبْرَاهِيم وَقَالَ آخَرُونَ بل بشريعة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام

وَالدّلَالَة على انه لم يكن متعبدا قبل النُّبُوَّة بذلك أَنه لَو كَانَ متعبدا بذلك لَكَانَ يفعل مَا تعبد بِهِ وَلَو فعل ذَلِك لَكَانَ يخالط من ينْقل ذَلِك الشَّرْع من النَّصَارَى وَغَيرهم فيفعل فعلهم وَقد نقلت أَفعاله قبل الشَّرِيعَة والبعثة وَعرفت أَحْوَاله وَلم ينْقل أَنه كَانَ يفعل مَا كَانَت النَّصَارَى تَفْعَلهُ وَلَا يخالطهم أَو يخالط غَيرهم ويسألهم عَن شرعهم

وَاحْتج الْمُخَالف بِأَنَّهُ قد كَانَ قبل الْبعْثَة يحجّ ويعتمر وَيَطوف بِالْبَيْتِ ويعظمه ويزكي وَيَأْكُل اللَّحْم ويركب الْبَهَائِم وَيحمل عَلَيْهَا وكل ذَلِك لَا يحسن إِلَّا شرعا فَالْجَوَاب إِنَّه لَو يثبت أَنه حج وَاعْتمر قبل الْبعْثَة وَتَوَلَّى التَّزْكِيَة بِنَفسِهِ وَلَا أَمر بهَا واما اكل اللَّحْم المزكى فَحسن فِي الْعقل لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ضَرَر على اُحْدُ وَفِيه مَنْفَعَة للآكل وَأما ركُوب الْبَهَائِم وَالْحمل عَلَيْهَا فَحسن فِي الْعقل عِنْد الشَّيْخ أبي هَاشم لِأَنَّهُ ضَرَر يُؤَدِّي إِلَى نفع أعظم

<<  <  ج: ص:  >  >>