الْحَاكِم إِنَّمَا لم يعلم ضَرُورَة صدق هَؤُلَاءِ الْخَمْسَة وَإِن وَجب عَلَيْهِ إِقَامَة الْحَد لجَوَاز أَن يكون أَرْبَعَة مِنْهُم شهدُوا عَن مُشَاهدَة وَالْخَامِس لم يُشَاهد فَلَزِمَهُ إِقَامَة الْحَد بِشَهَادَة أَرْبَعَة مِنْهُم وَإِن لم يعرفهُمْ بأعيانهم وَلَا يمْتَنع أَن يكون إِنَّمَا لم يعلم صدقهم لِأَن الْخَمْسَة لَا يَقع الْعلم بخبرهم وَإِذا لم يمْتَنع كلا الْأَمريْنِ لم يكن فِي ذَلِك دَلِيل على أَن الْخَمْسَة لَا يجوز وُقُوع الْعلم بخبرهم وَوَجَب كَون ذَلِك مشكوكا فِيهِ وَلَا يلْزم على ذَلِك أَن لَا يَقع الْعلم بِعَدَد القاسمة من حَيْثُ لم يعْتَبر الْحَاكِم وُقُوع الْعلم بخبرهم لِأَن أهل الْعرَاق يَقُولُونَ يحلف خَمْسُونَ من الْمُدعى عَلَيْهِم كل وَاحِد مِنْهُم أَنه مَا قتل وَلَا عرف قَاتلا فَلَيْسَ يخبرون عَن مخبر وَاحِد بل كل وَاحِد مِنْهُم يخبر عَن غير مَا يخبر عَنهُ الآخر وَعند الشَّافِعِي يحلف خَمْسُونَ من المدعين كل وَاحِد مِنْهُم بِحَسب ظَنّه فمخبر كل وَاحِد مِنْهُم غير مخبر الآخر
فان قيل وَلَو قَالُوا لَو وَقع الْعلم بِخَبَر أَرْبَعَة لوقع بِخَبَر كل أَرْبَعَة قيل لِأَنَّهُ لَو وَقع الْعلم بِخَبَر قوم وَلم يَقع بِخَبَر مثلهم مَعَ تساويهم فِي الشُّرُوط لم يمْتَنع أَن يخبرنا قافلة الْحَاج عَن مَكَّة فنعرفها وَأَن يخبرنا عَن الْمَدِينَة فَلَا نعرفها وَفِي ذَلِك جَوَاز الشَّك فِي الْبلدَانِ مَعَ تَوَاتر الْأَخْبَار عَنْهَا وَهَذَا لَا يَصح لِأَن الْعلم بمخبر الْأَخْبَار من فعل الله عز وَجل عِنْدهم فَمَا يؤمنهم أَن يفعل الْعلم عِنْد خبر اربعة دون أَرْبَعَة وَلَا يجْرِي الْعَادة فِي ذَلِك على طَريقَة وَاحِدَة وَيجْرِي الْعَادة على طَريقَة وَاحِدَة فِي فعل الْعلم عِنْد إِخْبَار الْجَمَاعَات الْكَثِيرَة فَلَا يلْزم الشَّك إِذا أخبر بهَا الْجَمَاعَات
فَأَما اشْتِرَاط كَون المخبرين عَالمين بِمَا أخبروا عَنهُ ضَرُورَة فان من يَقُول إِن الْعلم بالتواتر مكتسب يَجْعَل من شَرط الِاسْتِدْلَال بِهِ أَنه لَا يشْتَبه على المخبرين مَا أخبروا عَنهُ فيظنوه حَقًا فيخبروا عَنهُ وَأَن لم يقصدوا الْكَذِب وَهَذَا يَقْتَضِي أَن لَا يَكُونُوا عَالمين باستدلال لِأَن مَا يعلم باستدلال يجوز دُخُول الشُّبْهَة فِيهِ على الْخلق الْعَظِيم يبين ذَلِك أَن الْمُسلمين على كثرتهم يخبرون
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute