أَن يَكُونُوا تعمدوه لغير دَاع أَو لداع والاول بَاطِل لِأَن الْمُمَيز لَا يفعل إِلَّا لداع سِيمَا مَا لَهُ عَنهُ صَارف وَإِن كَانُوا تعمدوه لداع فإمَّا أَن يرجع الدَّاعِي إِلَى الْخَبَر أَو إِلَى غَيره وَالْأول بَاطِل لِأَن الرَّاجِع إِلَى الْخَبَر هُوَ كَونه كذبا وَذَلِكَ يصرف عَن فعله وَيُفَارق إخبارهم بِالصّدقِ عَمَّا فِيهِ فَائِدَة لِأَن الْفَائِدَة تَدْعُو إِلَى ذَلِك وَكَون الْخَبَر صدقا لَا يصرف وَمَا يرجع إِلَى غير الْخَبَر فَهُوَ إِمَّا الدّين أَو الدُّنْيَا من رَغْبَة أَو رهبة وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يَفْعَلُوا ذَلِك لداع وَاحِد من هَذِه الدَّوَاعِي وَإِمَّا أَن يَفْعَله بَعضهم لبَعض هَذِه الدَّوَاعِي وَبَعْضهمْ يفعل للْبَعْض الآخر وَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن تحصل لَهُم هَذِه الدَّوَاعِي بتراسل أَو تحصل لَهُم من غير تراسل وَلَا تشاعر أما التدين الْمُؤَدِّي إِلَى الْإِخْبَار بِخِلَاف مَا يعلم باضطرار فتدين ظَاهر الْبطلَان وَلَيْسَ يجوز أَن يشْتَرك الْخلق الْعَظِيم فِي تَرْجِيح مَا قد ظهر فَسَاده من التدين على مَا فِي عُقُولهمْ من تجنب الْكَذِب والنفور مِنْهُ سِيمَا إِذا علم الْكذَّاب أَن غَيره يعلم أَنه كَاذِب بل لَا بُد أَن يخْتَلف أَحْوَال الْجَمَاعَات الْكَثِيرَة فِي ذَلِك إِن لم يتفقوا على تجنب الْكَذِب والعدول عَن ذَلِك التدين الظَّاهِر الْبطلَان وَلَا فرق فِيمَا ذَكرْنَاهُ بَين أَن يكون قد دخلت عَلَيْهِم شُبْهَة فِي ذَلِك التدين أَو لم تكن دخلت عَلَيْهِم شُبْهَة لِأَن الْجَمَاعَة الْكَثِيرَة لَا يتساوون فِي تَرْجِيح الشُّبْهَة على مَا فِي عُقُولهمْ من استقباح الْكَذِب كَمَا لَا يجوز أَن يتساووا فِي مأكل وَاحِد وسلوك طَرِيق وَاحِد وَأما الرَّغْبَة واعتقاد الْمَنْفَعَة فقد تكون رَجَاء عوض عَن الْكَذِب وَقد تكون إِيثَار إطراف النَّاس فكثير من النَّاس يحبونَ أَن يخبروا غَيرهم بِمَا لَا أصل لَهُ ليطرفوهم ويقربوا بذلك من قُلُوبهم وَالْجَمَاعَات لَا يتساوون فِي إِيثَار ذَلِك على إطراح الْكَذِب وَلَا يتساوون فِي الافتقار إِلَى مَا وَقعت الرَّغْبَة بِهِ بل كثير مِنْهُم لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَكثير مِنْهُم يحْتَاج إِلَيْهِ وَلَا يؤثره على الصدْق فَأَما رَغْبَة السُّلْطَان ورهبته فانهما لَا تجمعان الْجمع الْعَظِيم على الْإِخْبَار بِمَا يعلمونه بَاطِلا أَلا ترى أَن السُّلْطَان لَا يُمكنهُ ذَلِك فِي جَمِيع أهل بَغْدَاد لِأَنَّهُ لَا يُحِيط بهم إحصاؤه حَتَّى يصير كل وَاحِد مِنْهُم مُضْطَرّا إِلَى الْخَبَر وَقد تغري رهبة السُّلْطَان كثيرا من النَّاس بالتحدث بالشَّيْء
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute