للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهَا قَول الله عز وَجل {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب} فَدلَّ على أَنه يمحو كل مَا شَاءَ محوه وَفِي ذَلِك جَوَاز محو الْعِبَادَة قبل وَقتهَا وَالْجَوَاب أَن حَقِيقَة المحو هُوَ محو على كل وَجه الْكِتَابَة وَقد قيل المُرَاد بِهِ مَا يَكْتُبهُ الْملكَانِ من الْمُبَاحَات ويبقيه مَا يَشَاء من الطَّاعَات والمعاصي وَقيل المُرَاد بِهِ محو النكبات والبلايا بِالصَّدَقَةِ على معنى أَنه لولاها لنزل ذَلِك وعَلى أَن الْآيَة تدل على أَنه يمحو مَا يَشَاء وَلَيْسَ فِي الْآيَة أَنه شَاءَ محو الْعِبَادَات قبل أَوْقَاتهَا

وَمِنْهَا أَن إِبْرَاهِيم قَالَ لإسماعيل عَلَيْهِمَا السَّلَام {إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك} فَقَالَ لَهُ {افْعَل مَا تُؤمر} فأضجعه وَأخذ المدية ليذبحه وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا وَقد أَمر بِالذبْحِ ثمَّ إِن الله عز وَجل نَهَاهُ عَن ذبحه قبل وَقت الذّبْح وفداه بذَبْحه وَالْجَوَاب أَنه لم يفعل مَا فعله إِلَّا وَقد أَمر بِشَيْء وَمَعْنَاهُ أَنه أَمر بِالذبْحِ وَلَا رُؤْيَة الذّبْح فِي الْمَنَام أَمر لَهُ بِالذبْحِ فَيحْتَمل أَن يكون أَمر بِالذبْحِ وَيحْتَمل أَن يكون أَمر بِمَا فعله وامتثله وَلِهَذَا قَالَ الله عز وَجل {قد صدقت الرُّؤْيَا} وَلَو كَانَ قد فعل بعض مَا أَمر بِهِ لَكَانَ قد صدق بعض الرُّؤْيَا وَقَول إِسْمَاعِيل {افْعَل مَا تُؤمر} إِنَّمَا يُفِيد الْأَمر فِي الْمُسْتَقْبل وَقَوله {إِن هَذَا لَهو الْبلَاء الْمُبين} لَا يمْنَع مِمَّا ذَكرْنَاهُ لِأَن إضجاع ابْنه وَأخذ المدية مَعَ غَلَبَة الظَّن بِأَنَّهُ يُؤمر بالقبح بلَاء عَظِيم وَإِنَّمَا فدى بِالذبْحِ مَا كَانَ يتوقعه من الْأَمر بِالذبْحِ وَقد قيل إِنَّه أَمر بِصُورَة الذّبْح وَهُوَ الْقطع وَأَنه كَانَ كلما قطع موضعا من الْحق وتعداه إِلَى غَيره وصل الله سُبْحَانَهُ مَا تقدم قطعه فَإِن قيل حَقِيقَة الذّبْح هُوَ قطع مَكَان مَخْصُوص تبطل مَعَه الْحَيَاة

<<  <  ج: ص:  >  >>