للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أكثر الحافظ ابن عساكر من ذكر هذه الأحاديث الباطلة في ترجمة معاوية - رضي الله عنه - في تاريخ دمشق، وانتقده العلماء على ذلك، مع أنه ليس المتهم بها، إنما فقط نقلها بأسانيدها، وَبَرِأَ من عهدتها.

قال الذهبي: «وقد ساق ابن عساكر في الترجمة أحاديث واهية وباطلة، طوَّل بها جدا» (١).

وقال بعد أن ذكر طائفة منها: «فهذه الأحاديث ظاهرة الوضع، والله أعلم» (٢).

وقال ابن كثير: «ثم ساق ابن عساكر أحاديث كثيرة موضوعة، بلا شك، في فضل معاوية، أضربنا عنها صفحا، واكتفينا بما أوردناه من الأحاديث الصحاح والحسان والمستجادات، عما سواها من الموضعات والمنكرات» (٣).

وقال في موطن آخر: «وقد أورد ابن عساكر بعد هذا أحاديث كثيرة موضوعة، والعجب منه -مع حفظه واطلاعه- كيف لا ينبه عليها وعلى نكارتها وضعف رجالها؟! والله الموفق للصواب» (٤).

وقال أيضا -بعد توهينه لحديث ذكره ابن عساكر في فضل معاوية-: «والعجب من الحافظ ابن عساكر مع جلالة قدره واطلاعه على صناعة الحديث أكثر من غيره من أبناء عصره - بل ومن تقدمه بدهر - كيف يورد في تاريخه هذا وأحاديث كثيرة من هذا النمط، ثم لا يبين حالها، ولا يشير إلى شيء من ذلك إشارة لا ظاهرة، ولا خفية؟! ومثل هذا الصنيع فيه نظر. والله أعلم» (٥).

قلتُ (أحمد): ولعلَّ عذر ابن عساكر -رحمه الله- في ذلك: أنه أسند كل قول إلى قائله، وكانت هذه عادة كثير من المحدِّثين، عملا بمقولة: «من أسند لك فقد أحالك»!

ونأتي الآن إلى بيت القصيد، وهو: الحديث عن فضائله ومناقبه، فنقول:

معاوية - رضي الله عنه - معدودٌ بلا شكٍّ في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا أمر لا يحتاج إلى تدليل، لكننا نزيده تأكيدا بما يلي:


(١) سير أعلام النبلاء (٣/ ١٢٧).
(٢) المصدر السابق (٣/ ١٣١).
(٣) البداية والنهاية (١١/ ٤٠٩).
(٤) المصدر السابق (١١/ ٤٠٤).
(٥) البداية والنهاية (٨/ ٣٥٦).

<<  <   >  >>