الْخَامِس نعلم قطعا أَن الصَّحَابَة لم يكتبوا مَا نقلوه وَلَا كرروا عَلَيْهِ بل كَمَا سمعُوا أهملوا إِلَى وَقت الْحَاجة بعد مدد متباعدة وَذَلِكَ يُوجب الْقطع بِأَنَّهُم لم ينقلوا نقس اللَّفْظ بل الْمَعْنى
السَّادِس اللَّفْظ غير مَقْصُود لذاته وَإِنَّمَا الْقَصْد الْمَعْنى وَاللَّفْظ أَدَاة فِي استعلامه فَلَا فرق لإِثْبَات ذَلِك الْمَعْنى بِأَيّ لفظ اتّفق
وَاحْتج الْمُخَالف بِوُجُوه الأول قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نضر الله امْرأ سمع مَقَالَتي فوعاها فأداها كَمَا سَمعهَا فَرب مبلغ أوعى من سامع وَرب حَامِل فقه لَيْسَ بفقيه وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ
وأداؤه كَمَا سمع هُوَ أَدَاء اللَّفْظ المسموع وَنقل الْفِقْه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ مَعْنَاهُ أَن الأفقه قد يتفطن بِفضل مَعْرفَته من فَوَائِد اللَّفْظ لما لَا يتفطن إِلَيْهِ غير الْفَقِيه الَّذِي رَوَاهُ
الثَّانِي التجربة دلّت على أَن الْمُتَأَخر يسْتَخْرج من فَوَائِد أَلْفَاظ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا لم يسْبقهُ الْمُتَقَدّم إِلَيْهِ فَعرفنَا أَن السَّامع لَا يجب أَن يتَنَبَّه لفوائد اللَّفْظ فِي الْحَال وَإِن كَانَ فَقِيها ذكيا فَجَاز أَن يتَوَهَّم فِي اللَّفْظ الْمُبدل أَنه مسَاوٍ للْآخر وَبَينهمَا تفَاوت لم يتفطن لَهُ
الثَّالِث لَو جَازَ للراوي تَبْدِيل لفظ الرَّسُول بِلَفْظ من عِنْده لجَاز للراوي عَن الرَّاوِي تَبْدِيل لفظ الأَصْل بل هُوَ أولى فَإِن تَبْدِيل لفظ الرَّاوِي أولى من تَبْدِيل