وَأما قَول بَعضهم إِنَّه قد خَاضَ فِي تقسيمه أنَاس لَيْسُوا من أهل هَذَا الشَّأْن فتعبوا وأتعبوا وَلَو قيل لأطولهم يدا فِي ذَلِك ايتنا بمثال مِمَّا لَيْسَ لَهُ لقب خَاص لبقي حائرا فَهُوَ ضَعِيف لِأَن التَّقْسِيم إِذا لم يكن فِيهِ مَا يعْتَرض بِهِ عَلَيْهِ يقبل من أَي مقسم كَانَ وَعدم مَعْرفَته بِبَعْض أَمْثِلَة الْأَقْسَام الَّتِي لم يتَحَقَّق وجودهَا بعد لَا يضرّهُ ويكفيه أَن يَقُول قد قُمْت بِطرف من الْمَسْأَلَة وَهُوَ بَيَان الْأَقْسَام وَبَقِي طرف آخر مِنْهَا تركته لغيري وَهُوَ الْبَحْث فِي أَمْثِلَة كل قسم وَبَيَان مَا وقف عَلَيْهِ مِنْهَا
وَقد أفرد ابْن الْجَوْزِيّ عَن الضَّعِيف نوعا آخر سَمَّاهُ المضعف
وَهُوَ الَّذِي لم يجمع على ضعفه بل فِيهِ إِمَّا فِي الْمَتْن أَو فِي الْمسند تَضْعِيف لبَعض أهل الحَدِيث وتقوية لآخرين مِنْهُم وَهُوَ أَعلَى مرتبَة من الضَّعِيف الْمجمع عَلَيْهِ
وَمحل هَذَا فِيمَا إِذا لم يتَرَجَّح أحد الْأَمريْنِ أَو كَانَ التَّضْعِيف هُوَ الْمُرَجح وَلَا فقد وَقع فِي كتب ملتزمي الصِّحَّة حَتَّى البُخَارِيّ أَشْيَاء من هَذَا الْقَبِيل
وَذكر النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم عَن ابْن الصّلاح أَنه قَالَ شَرط مُسلم فِي صَحِيحه أَن يكون الحَدِيث مُتَّصِل الْإِسْنَاد بِنَقْل الثِّقَة عَن الثِّقَة من أَوله إِلَى منتهاه سالما من الشذوذ وَالْعلَّة
قَالَ وَهَذَا حد الصَّحِيح
فَكل حَدِيث اجْتمعت فِيهِ هَذِه الشُّرُوط فَهُوَ صَحِيح بِلَا خلاف بَين أهل الحَدِيث
وَمَا اخْتلفُوا فِي صِحَّته من الْأَحَادِيث فقد يكون سَبَب اخْتلَافهمْ انْتِفَاء شَرط من هَذِه الشُّرُوط أَو بَينهم خلاف فِي اشْتِرَاطه كَمَا إِذا كَانَ بعض الروَاة مَسْتُورا أَو كَانَ الحَدِيث مُرْسلا
وَقد يكون سَبَب اخْتلَافهمْ أَنه هَل اجْتمعت فِيهِ هَذِه الشُّرُوط أم انْتَفَى بَعْضهَا وَهُوَ الْأَغْلَب فِي ذَلِك كَمَا إِذا كَانَ الحَدِيث فِي رُوَاته من اخْتلف فِي كَونه من شَرط الصَّحِيح فَإِذا كَانَ الحَدِيث رُوَاته كلهم ثِقَات غير أَن فيهم أَبَا الزبير الْمَكِّيّ مثلا أَو سُهَيْل بن أبي صَالح أَو الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن أَو حَمَّاد بن سَلمَة قَالُوا فِيهِ هَذَا حَدِيث صَحِيح على شَرط مُسلم وَلَيْسَ بِصَحِيح على شَرط البُخَارِيّ لكَون هَؤُلَاءِ عِنْد مُسلم مِمَّن اجْتمعت فيهم الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة وَلم يثبت عِنْد البُخَارِيّ ذَلِك فيهم
وَكَذَا حَال البُخَارِيّ فِيمَا خرجه من حَدِيث عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس وَإِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي وَعَمْرو بن مَرْزُوق وَغَيرهم مِمَّن احْتج بهم البُخَارِيّ وَلم يحْتَج بهم مُسلم
قَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله الْحَافِظ النَّيْسَابُورِي فِي كِتَابه الْمدْخل فِي معرفَة الْمُسْتَدْرك عدد من أخرج لَهُم البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح وَلم يخرج لَهُم مُسلم أَربع مئة وَأَرْبَعَة وَثَلَاثُونَ شَيخا وَعدد من احْتج بهم مُسلم فِي الْمسند الصَّحِيح وَلم يحْتَج بهم البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح سِتّ مئة وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ شَيخا
وَأما قَول مُسلم فِي صَحِيحه فِي بَاب صفة رَسُول الله ص = لَيْسَ كل شي صَحِيح عِنْدِي وضعنه هَاهُنَا يَعْنِي فِي كِتَابه هَذَا الصَّحِيح وَإِنَّمَا وضعت هَاهُنَا مَا أَجمعُوا عَلَيْهِ
فمشكل
فقد وضع فِيهِ أَحَادِيث كَثِيرَة مُخْتَلفا فِي صِحَّتهَا لكَونهَا من حَدِيث من ذَكرْنَاهُ وَمن لم نذكرهُ مِمَّن اخْتلفُوا فِي صِحَة حَدِيثه
قَالَ الشَّيْخ وَجَوَابه من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن مُرَاده أَنه لم يضع فِيهِ إِلَّا مَا وجد عِنْده فِيهِ شُرُوط الصَّحِيح الْمجمع عَلَيْهِ وَإِن لم يظْهر اجتماعها فِي بعض الْأَحَادِيث عِنْد بَعضهم
وَالثَّانِي أَنه أَرَادَ أَنه لم يضع فِيهِ مَا اخْتلف الثِّقَات فِيهِ فِي نفس الحَدِيث متْنا أَو إِسْنَادًا وَلم يرد مَا كَانَ اخْتلَافهمْ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ فِي تَوْثِيق بعض رُوَاته وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر من كَلَامه فَإِذا ذكر لما سُئِلَ عَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَإِذا قَرَأَ فأنصتوا
هَل هُوَ صَحِيح فَقَالَ هُوَ عِنْدِي صَحِيح
فَقيل لم لم تضعه هَاهُنَا فَأجَاب بالْكلَام الْمَذْكُور