قوم فَهِيَ قريبَة فِي نظر آخَرين مِمَّن خبروا أَحْوَال النَّاس ودققوا النّظر فِي أَمر الْحَوَادِث وَأَكْثرُوا من النّظر فِي التَّارِيخ وَبَحَثُوا عَن أَسبَاب الْمسَائِل وعللها ليقفوا على حقائقها ودقائقها
وَهنا أَمر يَنْبَغِي التنبه لَهُ وَهُوَ أَن الْيَهُود فِي ذَلِك الْعَصْر لم يَكُونُوا مستبدين بأمرهم بل كَانُوا تَحت حكم مُلُوك الرّوم وَكَانَ ملك الرّوم حِينَئِذٍ طيباريوس وَهُوَ الَّذِي بنيت فِي عَهده مَدِينَة طبرية ونسبت إِلَيْهِ وَكَانَ الْوَالِي عَلَيْهِم من قبله بيلاطوس قَالَ سعيد بن البطريق فِي نظم الْجَوْهَر وَملك طيباريوس قَيْصر برومية وللمسيح خمس عشرَة سنة وَكَانَ لقيصر هَذَا صديق يُقَال لَهُ بلاطس من قَرْيَة على شط البنطس وَلذَلِك يُسمى بلاطس البنطي فولاه على أَرض يهوذا
قَالَ وَفِي خمس عشرَة سنة من ملك طيباريوس هَذَا ظهر يحيى بن زَكَرِيَّا المعمداني فَعمد الْيَهُود فِي الْأُرْدُن ولسيدنا الْمَسِيح ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ قَالَ وَكتب بلاطس إِلَى طيباريوس الْملك بِخَبَر سيدنَا الْمَسِيح وَمَا تَفْعَلهُ تلاميذه من الْعَجَائِب الْكَثِيرَة من إِبْرَاء المرضى وإحياء الْمَوْتَى فَأَرَادَ أَن يُؤمن بسيدنا الْمَسِيح وَيظْهر دين النَّصْرَانِيَّة فَلم يُتَابِعه أَصْحَابه على ذَلِك وَملك اثْنَيْنِ وَعشْرين سنة وَسِتَّة أشهر
وبيلاطوس الْمَذْكُور هُوَ الَّذِي ادّعى رُؤُوس الْيَهُود عِنْده أَن الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يضل شِعْبهمْ وَيَدعِي بِأَنَّهُ هُوَ الْمَسِيح ملك الْيَهُود وَأَنه كَانَ يمْنَع النَّاس من أَدَاء الْجِزْيَة لقيصر وطلبوا مِنْهُ أَن يصلبه وَإِنَّمَا لم يتولوا هم المر بِأَنْفسِهِم لأسباب
الأول انه لم يكن يسوغ أَن يقتلُوا أحدا مِمَّن حكمُوا عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ دون مُوَافقَة الرّوم وَمَا وَقع مِنْهُم مرَارًا من الْقيام على الْمَسِيح وَإِرَادَة رجمه فَإِنَّمَا ذَلِك من قبيل مَا يحصل أَحْيَانًا من حكام الرعايا حِين اشتداد غَضَبهَا وَكَثِيرًا مَا تتغاضى الْحُكَّام عَن ذَلِك إِذا لم تخش ضَرَرا مِنْهُ