أَحدهَا: أَن حَدِيث عمر مُجمل، وَقد فسرته عَائِشَة، فجَاء فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيثهَا: أَنه ذكر لَهَا حَدِيث ابْن عمر: " إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء الْحَيّ " فَقَالَت: يغْفر الله لأبي عبد الرَّحْمَن، أما إِنَّه لم يكذب، وَلكنه نسي أَو أَخطَأ، إِنَّمَا مر رَسُول الله على يَهُودِيَّة يبكى عَلَيْهَا فَقَالَ " إِنَّه ليبكى عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لتعذب فِي قبرها ".
وَفِي بعض أَلْفَاظ الحَدِيث عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: إِنَّمَا قَالَ رَسُول الله: " إِن أهل الْمَيِّت يَبْكُونَ عَلَيْهِ، وَإنَّهُ ليعذب بجرمه " فعلى هَذَا يكون التعذيب لَا لأجل النوح وَيكون الرَّاوِي: " بِمَا نيح عَلَيْهِ " غالطا فِي اللَّفْظ. وَقد كَانَت عَائِشَة تحفظ أَشْيَاء ترد بهَا على جمَاعَة من الصَّحَابَة، فيرجعون إِلَى قَوْلهَا. وَمن ذَلِك مَا سَيَأْتِي فِي مُسْند ابْن عمر: أَنه سُئِلَ: هَل اعْتَمر رَسُول الله فِي رَجَب؟ فَقَالَ نعم. فَقَالَت عَائِشَة: مَا اعْتَمر قطّ فِي رَجَب، وَابْن عمر يسمع، فَلم يُنكر مَا قَالَت، وَمَا ذَاك إِلَّا أَنه علم أَنه غلط، فَرجع إِلَى قَوْلهَا.
وَهَذَا الْجَواب لَا أعْتَمد عَلَيْهِ لثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا أَن مَا روته عَائِشَة حَدِيث وَهَذَا حَدِيث، وَلَا تنَاقض بَينهمَا، بل لكل وَاحِد مِنْهُمَا حكمه. وَالثَّانِي: أَنَّهَا أنْكرت برأيها وَقَالَت بظنها، وَقَول الرَّسُول إِذا صَحَّ لَا يلْتَفت مَعَه إِلَى رَأْي، وَلَيْسَ هَذَا بِأَعْجَب من إنكارها الرُّؤْيَة لَيْلَة الْمِعْرَاج، وَإِنَّمَا يرجع إِلَى الروَاة المثبتين. وَالثَّالِث: أَن مَا ذكرته لم يحفظ إِلَّا عَنْهَا، وَذَلِكَ الحَدِيث مَحْفُوظ عَن عمر، وَابْن عمر،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute