للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

هزة: أَي ارتياح وطلاقه، قَالَه ابْن قُتَيْبَة. وَقد أنكر قوم أَن يكون المُرَاد عرش الله عز وَجل، وَقَالُوا: هُوَ السرير الَّذِي حمل عَلَيْهِ، فروى ((البُخَارِيّ)) فِي هَذَا الحَدِيث أَن رجلا قَالَ لجَابِر: إِن الْبَراء يَقُول: اهتز السرير، فَقَالَ: إِنَّه كَانَ بَين هذَيْن الْحَيَّيْنِ ضغائن، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ((اهتز عرش الرَّحْمَن لمَوْت سعد بن معَاذ)) ويقصد بالحيين الْأَوْس والخزرج، والضغائن كَانَت بَينهم قبل الْإِسْلَام، وَكَانَ سعد من الْأَوْس والبراء من الْخَزْرَج، وكل مِنْهُم لَا يقر بِفضل صَاحبه عَلَيْهِ. والضغائن: الأحقاد والعداوة. ويروى عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: إِن الْعَرْش لَا يَهْتَز لمَوْت أحد، وَلكنه سَرِيره حمل عَلَيْهِ. فهذان الشخصان - أَعنِي الْبَراء وَابْن عمر - لاحظا تَعْظِيم الْعَرْش؛ فَإِن الله عز وَجل نسبه إِلَيْهِ نِسْبَة الصِّفَات فَقَالَ: {ذُو الْعَرْش} كَمَا قَالَ: {ذُو الرَّحْمَة} [الْأَنْعَام: ١٣٣] وَلَا شكّ فِي تَعْظِيمه، غير أَن الْمُؤمن أعظم، وَإِنَّمَا تَأَول مَا لَيْسَ بِصَرِيح، وعرش الرَّحْمَن لفظ صَرِيح لَا يحْتَمل التَّأْوِيل، وَلَو بلغهما هَذَا اللَّفْظ مَا تأولا. ثمَّ أَي فَخر فِي اهتزاز سَرِير؟ وكل سَرِير لمَيت يَهْتَز عِنْد تجاذب الرِّجَال إِيَّاه.

فَإِن قيل: مَا فَائِدَة اهتزاز الْعَرْش لمثل هَذِه الْأَشْيَاء؟ فَالْجَوَاب: أَن الله سُبْحَانَهُ لما كَانَ يفعل وَلَا ينفعل، إِذْ لَيْسَ بجسم وَلَا ذِي مزاج وطبع، أَرَادَ إِعْلَام خلقه وَمَلَائِكَته مقادير عظم الْحَوَادِث عِنْده، طَاعَة كَانَت أَو مَعْصِيّة، فيسلط الإنفعال على ذَوَات من خلقه تقبل الإنفعال، كزلزلة الأَرْض ودك الْجبَال واهتزاز الْعَرْش، ليعلم الْعَالم مِقْدَار ذَلِك عِنْده، والخالق سُبْحَانَهُ أبدا يُقيم الْمَخْلُوقَات للمخلوقين معالم

<<  <  ج: ص:  >  >>