ولو كانت الحاجة في المساكين أشد، لوجب أن يقول:(وردها على مساكينهم) لأن ذكر وتقديم الأهم أولى، فدل هذا الحديث على أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين.
٦ - أن العلماء اتفقوا على أن الفقر ضد الغنى، ولم يقل أحد إن (الغنى) ضد (المسكنة) بل قالوا: إن (الترافع) ضد (المسكنة) فثبت أن الفقر عبارة: عن عدم المال، والمسكنة عبارة: عن إظهار التواضع، والأول ينافي حصول المال، والثاني لا ينافي حصول المال، فدل هذا على أن الفقير أشد حاجة من المسكين.
٧ - أن أصل (الفقير) في كلام العرب: المفقور الذي نزعت فقرة من ظهره من شدة الفقر، فلا حال أشد من هذه.
كما أن أصل (المسكين) في اللغة: الخاضع، والمسكنة لفظ مأخوذ من السكون الذي هو الخضوع، فالمسكين إذا أراد أن يسأل الناس تمسكن بمعنى: لان وتواضع، وإذا أعطوه شيئاً سكن قلبه، وإن منعوه سكن ولم يضطرب وأعاد السؤال، ولهذا السبب جعل التمسكن كناية عن السؤال والتضرع عند الغير، وبهذا ثبت أن المسكين هو (السائل) وأنه المراد بقوله جل وعلا: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[الذاريات:١٩] ولما ثبت هذا وجب أن يكون (المحروم) الوارد في الآية هو الفقير، ولا شك أن المحروم مبالغة في تقرير أمر الحرمان من كل شيء فثبت أن الفقير أسوأ حالاً من المسكين. (١)
الترجيح: والراجح هو القول بأن الفقير أشد حاجة من المسكين، لما تقدم من الأدلة الظاهرة الدالة على ذلك.
وبهذا يتبين أن ما قاله الإمام الطحاوي هو خلاف القول الأولى في المراد بالآية. والله تعالى أعلم.