للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك قول ابن عباس: (كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء، ويدعون أشياء تقذراً، فلما بعث نبيه - صلى الله عليه وسلم - أحل حلاله وحرم حرامه، فما حرم من شيء فهو حرام، وما أحل من شيء فهو حلال، وما سكت عنه فهو عفو). فكان معناه في قوله: وما سكت عنه فهو عفو ليس يريد به العفو عن عقوبات ذنوب كانت منهم في ذلك، ولكنه يريد به ترك ما عفي لهم عنه من ذلك بلا عبادة تعبدهم بها يوجب إتيانهم بها لهم الثواب، ويوجب تركهم الإتيان بها عليهم العقاب.

فمثل ذلك - والله أعلم - عفوه عز وجل المذكور في الآية التي تلوناها على المستضعفين من الرجال والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً بقوله: {فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء:٩٩] وقوله: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} [النساء:٩٩]، هو على إيجابه العفو منه لهم، إذ لم يكن لهم في المقام الذي كانوا فيه حيلة في التحول عنه، وفي الانتقال منه إلى ضده في الأماكن المحمودة، فرفع الله ذلك عنهم، فلم يتعبدهم فيه بما تعبد به من سواهم فيه من قوله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا بريء من كل مسلم مع مشرك، لا تَرَاءَي ناراهما" (١)

وكان ما في هذا الحديث في وعيد غليظ، فرفع الله مثله عن المقيمين في تلك الأمكنة بلا استطاعة منهم الهرب عنها والتحول منها إلى الأمكنة المحمودة، ورفع عنهم التعبد في ذلك بهذا، والله أعلم بما أراد في ذلك، وإياه نسأله التوفيق.

(شرح مشكل الآثار - ٨/ ٤٤٨ - ٤٥٢).


(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير - (حـ ٢٢٦٤ - ٢/ ٣٠٣).

<<  <   >  >>