للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحدوث مثل هذا الفهم الخاطئ للمراد بالآية عند بعض الصحابة له أمثلة كثيرة، ولا مانع منه، وذلك لأن الصحابة رضي الله عنهم - لم يكونوا ولا الناس من بعدهم على درجة واحدة في فهم كتاب الله جل وعلا، بل كانوا يتفاوتون في ذلك، فقد كان يشكل على بعضهم ما لا يشكل على الآخر.

ويرجع ذلك التفاوت إلى تفاوتهم في معرفة اللغة العربية، ومعرفة ما يحيط بنزول الآية من أحداث وملابسات، زد على ذلك تفاوتهم في القدرة العقلية شأنهم شأن سائر البشر. (١)

لهذا فمن غير المستبعد أن يكون ما جاء من تكملة للآية التي معنا - من قوله جل وعلا {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء:٩٥] لإزالة هذا الإشكال الوارد عند بعض الصحابة في فهم المراد بالآية. ومن الأمثلة على وجود تفاوت عند الصحابة في فهم المراد بالآيات:

ما حكي عن قدامة بن مظعون وعمرو بن معد يكرب أنهما كانا يقولان: الخمر مباحة ويحتجان بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة:٩٣] ولو أنهما علما سبب النزول لما قالا ذلك، ولكن خفي عليهما فوقعا في هذا الفهم الخاطئ (٢)، فسبب نزول الآية: (أن أناساً قالوا لما حرمت الخمر: كيف بمن قتلوا في سبيل الله وكانوا يشربون الخمر، فنزلت الآية). (٣)

فدل سبب النزول على أن المقصود بالآية، من كان يشرب الخمر قبل تحريمها،.


(١) انظر: دراسات في علوم القرآن للرومي (١٦٨) - وتفسير ابن عاشور - (٥/ ١٧٠).
(٢) الإتقان في علوم القرآن (١/ ٩٣).
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب: المظالم - باب: صب الخمر في الطريق (حـ ٢٣٣٢ - ٢/ ٨٦٩)
ومسلم في صحيحه - كتاب: الأشربة - باب: تحريم الخمر ٠ (حـ ٥١٠٢ - ١٣/ ١٤٧).

<<  <   >  >>