وبنات نعش في الحداد سوافرا ... أيقنت أن صباحهم قدماتا
وقال أيضاً:
ولرب ليل فيه تاه نجمه ... قطعته سهر أفطال وعسعسا
وسألته عن صبحه فأجابني ... لو كان في قيد الحياة تنفسا
قلت وقبل الشروع في إيراد مقاطيع هذا الباب تذكر هنا حكاية لطيفة تتلعق بطول الليل وقصره وهي ما حكاه أبو محمد إسماعيل بن منصور الجواليفي قال وقف علي والدي وهو جالس في حلقة يقرأ فيها عليه الطلبة شاب فقال يا سيدي قد سمعت بيتين من الشعر ولم أفهم معناهما.
فقال له قل فأنشد:
وصل الحبيب جنان الخلد أسكنها ... وهجرة النار يصلينا به النار
فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة ... إن لم يزرني وبالجوزاء إن زارا
قال فلما سمعهما والدي قال له يا ولدي هذا شيء من معرفة النجوم وتسييرها لا من صنعة أهل الأدب فانصرف الشاب من غير حصول فائدة فاستحيا والدي لكونه سأل عن شيء ليس عنده منه علم وآلى على نفسه أن لا يجلس في حلقة حتى ينظر في علم النجوم ويعرف تسيير المسؤول عنه إن الشمس إذا كانت في آخر القوس كان الليل في غاية الطول لأنه يكون آخر فصل الخريف وإذا كانت في آخر فصل الخريف وإذا كانت في آخر الجوراء كان الليل في غاية القصر لأنه في آخر فصل الربيع فكأنه يقول إذا لم يزرني فالليل عندي في غابة الطول وإن زارني كان الليل عندي في غاية القصر وقد أنصف القائل:
لاأظلم الليل ولاادعى ... أن نجوم الليل ليست تسير
ليلي كما شاءت فإن لم تزر ... طال وإن زارت فليلي قصير
وما أحسن قول الأرجاني:
وما ليلنا إلا سواء وإنما ... تفاوته أنا سهرنا ونمتم
ومن أحسن ما قيل في قصر الليل:
قول أبي اسحق الصولي ... وليلة من ليالي الزهر
قابلت فيها بدرها ببدري ... لم تك غير شفق وفجر
حتى تولت وهي بكر الدهر
وقال الرضي:
يا ليله كاد من تقاصرها ... يعثر فيها العشاء بالسحر
وقال آخر:
سألت الليل لم ولى هزيماً ... وقد بات الحبيب على اقتراحي
فقال كواكبي غارت وسارت ... مخامرة علي إلى الصباح
ومن أحسن ما قيل في طول الليل قول العباس بن الأحنف:
أيها الراقدون حولي أعينو ... ني على الليل واتركوا الإعتذارا
حدثوني عن النهار حديثاً ... أوصفوه فقد نسيت النهارا
وقال آخر:
عهدي بنا وراء الليل مشتمل ... والليل أطول كاللمح بالبصر
والآن ليلي مذ بانوا فديتهم ... ليل الضرير فصبحي غير منتظر
وقال ابن العتارية:
لقد ساهرتني عيون الدجى ... وقد نام عني عيون الملاح
إذا ماشكا الليل هجر الصباح ... شكوت إلى الله هجر الصباح
وقال ابن الزقاق:
لي مسكن شطت به غربة ... جادت لها عيناي بالمزن
ما أحسن القجر ولا راقني ... بياضه مذ بان في الظعن
كأنما الصبح لنا بعده ... عين قد ابيضت من الحزن
وما أحسن قول القاضي الفاضل:
بتنا على حال يسر الهوى ... وربما لا يمكن الشرح
بوابنا الليل وقلنا له ... إن غبت عنا هجم الصبح
وقال ياقوت:
كان الثريا راحة تشبر الدجا ... لتعلم طال الليل أم قد تعرضا
فليل تراه بين شرق ومغرب ... يقاس بشبر كيف يرجى له انقضا
أخذه الشيخ صدر الدين بن الوكيل فقال:
بكف الثريا وهي جذماً يقاس لي ... شقاق الدجى مدت من الشرق والغرب
ولو ذرعوها بالذراع لما انقضت ... فما تنقضي بالليلأوينقضي نحبي
وقد أحسن الأرجاني في الاعتذار عن طول الليل فقال:
لا أدعي جور الزمان ولا أرى ... ليلي يزيد على الليالي طولا
لكن مرآة الصباح تنفست ... للهم أصدأ وجهها المصقولا
وقال مضر بن الفقعسي:
وليل تقول الناس من ظلماته ... سواء صحيحات العيون وعورها
كان لنا منه بيوتاً حصينة ... مسوح أعاليها وساج كسورها