فقال الوزير للحيص بيض ما تقول في دعواه فقال إن أعادهما سمع لهما ثالثاً فأعادهما فقال الحيص بيص:
وما درى أن نومي حيلة نصبت ... لطيفة حين أعيا اليقظة الحيل
وقال آخر:
ألا رب طيف منك بات معانقي ... إلى أن دعا داعي الصباح محيعلا
وأول من وصف الطيف عمرو بن قمئة فيما حكاه المرتضى في كتاب الطيف والخيال فقال:
نأتك أمامة إلا سؤالا ... وألا خيالاً يوافي خيالا
خيال يخيل لي نيلها ... ولو قدرت لم تخيل نوالا
وأول من طرد الطيف طرفة بن العبد حيث قال:
فقل لخيال الحنظلية ينقلب ... إليها فإني واصل سبل من وصل
وتبعه جرير فقال: طرقتك صائدة الفؤاد وليس ذاوقت الزيارة فأرجعي بسلام وأعجب من جرير في طرد الخيال الراعي حيت هجاء فقال:
طاف الخيال بأصحابي فقلت لهم ... أتلك ليلى أتت ليلاً أم الغول
وقد رد على جرير مولانا قاضي القضاة تاج الدين بن السبكي وأحسن ما شاء حيث قال:
يا ليت شعري هل أحب ... جرير إذ أبدى اعتذاره
إن كان يصدق حبه ... فالقلب منه كالحجاره
لا بل أشد قساوة ... فانظر له أبدى عراره
إذ قال قولاً لم يقله ... عاشق أود وجساره
طرقتك صائدة الفؤاد ... وليس الزياره
وقال في الرد عليه أيضاً:
هذا مقالك يا جرير ... لدي أشنع ما يقال
هل ثم وقت ليس يصلح ... للزيارة والوصال
أم قيل قبلك فارجعي ... ولذاك ذنب لا يقال
أم كان حبك كاذباً ... فمنامه ينفي الخيال
أم كان قلبك من حد ... يد ليس تؤذيه النبال
وقلت أنا:
واخجلتا لك يا جر ... ير في المحافل والمشاهد
طرقتك صائدة الفؤاد ... فكنت صباً غير صائد
فرددت طيف خيالها ... هذا خيال منك فاسد
ألطيف أعشق منك إذ ... وافى إليك وأنت راقد
؟ لاعاد مثلك ما بقى ... في الناس للعشاق عائد
وقلت أيضاً من قصيدة:
يطالبني قلبي به فكأنني ... غريم وقلبي في تقاضيه مغرم
ولي منه في ليل الكرى ونهاره ... خيال ملم أو حبيب مسلم
وقال شمس الدين محمد بن العفيف التلمساني:
يا حبذا طيفك من قادم ... يا أحسن العالم في العالم
طيف تجلى نوره ساطع ... حتى رأته مقلة النائم
يا غائباً يحكم في مهجتي ... علي طالت غيبة الحاكم
عار على حسنك أن يشت ... كي حظي منه أنه ظالمي
وقد أحسن التهامي في تفضيل الخيال على الحقيقة حيث قال:
وصل الخيال ووصل الخود إن بخلت ... سيان ما أشبه الوجدان بالعدم
ألطيف أحسن وصلاً إن لذته ... تخلو من الإثم والتنغيص والندم
وقد بلغ النهاية في اللطف كشاجم حيث اعتذر على لسان الحبيب عن تأخر الخيال فقال:
لقد بخلت حتى بطيف مسلم ... علي وقالت رحمة لحبيبي
أخاف على طيفي إذا جاء طارقا ... وسادك أن يلقاه طيف رقيبي
وما أحسن أيضاً اعتذار المغربي وقد ضمنه ابن عنين وكتب به من اليمن إلى أخيه بدمشق:
سامحت كتبك في القطيعة عالماً ... أن الصفيحة أعوزت من حامل
وعذرت طيفك في الجفاء لأنه ... يسري فيصبح دوننا بمراحل
وقال آخر:
وزارني طيف من أهوى على حذر ... من الوشاة وداعي الصبح قد هتفا
فكدت أوقظ من حولي به فرحا ... وكاد يهتك ستر الحب بي شغفا
ثم انتبهت وآمالي تخيبني ... نيل المنى فاستحالت غبطتي أسفا
وقال ابن المعتز:
أبصرته في المنام معتذراً ... إلي مما جناه يقظانا
ولان حتى إذا هممت به ... وجدته عند الصبح لا كانا