معجبا بحسنها، فأنكر رسول - صلى الله عليه وسلم - عليه ذلك بأقوى درجات الإنكار، فأخذ بذقن الفضل وصرف وجهه عنها.
ولكن الحكم الشرعي الذي أباح للخثعمية كشف وجهها والذي ذهل عنه أكثر أهل العلم المتأخرين، وانطوت آثاره في التصانيف المتأخرة، ولم يشر إليه بعض المتقدمين لما هو معلوم عندهم بالضرورة؛ هو ما بيناه في مناقشة البحث الخامس؛ أن الحجاب (تغطية الوجه) إنما هو فرض على النساء الحرائر دون الإماء. وهذا هو سبب كشف المرأة الخثعمية لوجهها (أنها كانت جارية؛ أي أمة مملوكة)(١) ولذلك لم يأمرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتغطية وجهها لعدم وجوب ذلك على الإماء، وقد يكون والدها قد أعتق عند كبر سنه فلزمته فريضة الحج ولذلك قالت (إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة اللَّه في الحج). وقد جاء التصريح بأنها كانت جارية في الرواية التي أخرجها أحمد والترمذي والبيهقي:
عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال (وقف رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - بعرفة ... حتى جاوز الوادي فوقف وأردف الفضل، ثم أتى الجمرة فرماها، ثم أتى المنحر فقال هذا المنحر ومنى كلها منحر، واستفتته جارية شابة من خثعم؛ فقالت إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة اللَّه في الحج أفيجزئ أن أحج عنه؟ قال: حجي عن أبيك، قال
(١) الجارية مصطلح يطلق على الأمة ـ المرأة المملوكة ـ كما في التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (١/ ٢٤٠): والجارية السفينة سميت به لجريها في البحر ومنه قيل للأمة جارية على التشبيه لجريها مسخرة في أشغال مواليها والأصل فيها الشابة لخفتها ثم توسعوا فسموا كل أمة جارية وإن كانت عجوزا. أهـ