وكثيرٌ من الأَشْيَاء يكرهها الْإِنْسَان في أمور الدُّنْيَا، ويتبَيَّنُ له الخَيْرُ فيها، ويُمْكِن أن نعبر عن هَذَا بأنَّ على الْإِنْسَان ألَّا يأخذَ بظواهر الْأُمُورِ، بل علَيْه أن يتَأنَّى ويتأمَّلَ وينظرَ ويفكرَ، فقد يحسَب الشَّيء شرًّا وهو خيرٌ له، فتبَيَّنَ براءةُ عَائِشَة وصفوانَ، وبراءةُ فِراشِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وحصولُ الأجر العَظِيم لما حصل من الأَذَى لعَائِشَة - رضي الله عنها - بل للنبي - صلى الله عليه وسلم -، بل ولآل أبي بكرٍ وللصحابة -رضي الله عنهم جميعًا- لا شَكَ أنَّه من الخَيْر.
الفَائِدة السَّادِسَة: أنَّ القَرَائِنَ لها تأْثِيرٌ، وأن الْإِنْسَان يحكمُ بالظَّنِّ بحسب القَرَائِنِ؛ لقَوْلهُ:{لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا}، فهَذَا يدُلّ على أن القَرَائِنَ لها تأْثِيرٌ في الأَحْكام، وأن الْإِنْسَان يَجب علَيْه أن يبنيَ ظنَّه على قرائنَ.
الفَائِدة السَّابِعَة: كمالُ غَيْرَةِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- على رَسُول الله -صَلَّى الله عليه وسلم-؛ لأنَّه جَلَّ وَعَلَا يدافعُ عن نبيه وعن فِراشِ نبيه هَذِه المُدافعة البَليغة، وهَذَا أيضًا من الخَيْر، ولهَذَا قَالَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لما قَالَ اللهُ تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}[النور: ٤].
قَالَ سعدُ بن عُبَادَةَ - رضي الله عنه -: كَيْفَ أجد إنسانًا على أهلي وأنتظرُ حَتَّى آتيَ بأرْبَعة شهداء، والله لَأَضْرِبَنَّهُ بالسَّيف غير مُصْفِحٍ؛ يعني بِحَدِّهِ، فقَالَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ، وَاللهِ إِنِّي لَأَغْيَرُ مِنْ سَعْدٍ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي"(١).
(١) أخرجه البُخاريّ، كتاب الحدود، باب من رأى مع امرأته رجلًا فقتله، حديث رقم (٦٨٤٦)؛ ومسلم، كتاب اللعان، حديث رقم (١٤٩٩)، عن المغيرة بن شعبة.