الأعلى: لو أن رجلًا كتب له نظامًا: المادة الأولى، المادة الثَّانية ... إِلَى آخِرِهِ، وتدبرنا هَذَا النِّظام وإذا هو نظام محكم متقن موافق للمصالح ومناسب، ماذا نقول عن هَذَا الكاتب؟ نقول: إنه حكيم ونعجب بحكمته، ويدُلّ ذَلِك على ذكانَّه وفطنته؛ فكَيْفَ بأحكام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّتِي لا يُمْكِن أن تتغيَّر ولا أن تتناقض؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} [النساء: ٨٢].
ومَن تدبّر أحكام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في خلقه تبين له أنَّها من لدن حكيم خبير؛ ولِهَذَا قَالَ:{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ}.
وفي وصف الأَحْكام بالآيَات إرشَادٌ للخَلق إلى تأمل هَذِهِ الأَحْكام لَيْسَتدلوا بها على مشرِّعها.
لا تظن أنَّه إِذَا قِيلَ لك: الأَحْكام الشَّرْعِيَّة آيات من آيات الله، فلَيْسَ المَعْنى أن تقول: ما شاء الله؛ إنها آيات! وتؤمن بأنَّها آيات، لا، بل يَجب أن تبحث وتتأمل لأجل أن يتبَيَّن لك كَيْفَ كَانَت آية من آيات الله عَزَّ وَجَلَّ لتستدل بها على مشرعها وعلى حكمته وعلمه ورحمته، وهَكَذا أيضًا في الآيات الْكَوْنِيَّة؛ قَالَ تَعَالَى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}[فصلت: ٣٧]؛ لا يكفي أن تقول: الليل من آيَاتِ الله وَالنَّهَارُ من آيَاتِ الله وَالشَّمْسُ من آيَاتِ الله وَالْقَمَرُ من آيَاتِ الله، لا يكفي هَذَا؛ إنما يُقال لك إنها من آيات الله ترغيبًا للبحث عن وجه كونها من آيات الله؛ لتستدِلَّ بها عن اقتناع على خالِقها إن كَانَت كونيَّة، وعلى مشرعها إن كَانَت شرعيَّة.
وقَوْلهُ:{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} إِشارَة إلى أن هَذِهِ الأَحْكام صادرة عن علم وعن حِكْمَة، وإذا صدر الحُكْم عن علم وعن حِكْمَة صَارَ مطابقًا للحق؛ لأَن مُخَالَفَةُ