ثُمَّ قَالَ: لَوْ أَقْدِرُ لَكُمَا عَلَى أَمْرٍ أَنْفَعُكُمَا بِهِ) لَوْ لِلتَّمَنِّي فَلَا جَوَابَ لَهَا، وَفِي نُسْخَةٍ لَفَعَلْتُ فَهِيَ الْجَوَابُ (ثُمَّ قَالَ: بَلَى، هَهُنَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ بِهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ) عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (فَأُسْلِفُكُمَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أُقْرِضُكُمَاهُ (فَتَبْتَاعَانِ بِهِ مَتَاعًا مِنْ مَتَاعِ الْعِرَاقِ ثُمَّ تَبِيعَانِهِ بِالْمَدِينَةِ فَتُؤَدِّيَانِ رَأْسَ الْمَالِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَكُونُ لَكُمَا الرِّبْحُ) قَالَ الْبَاجِيُّ: لَمْ يُرِدْ بِإِسْلَافِهِمَا إِحْرَازَ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِمَا، وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْعَهُمَا، وَمِنْ مُقْتَضَاهُ ضَمَانُهُمَا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجُوزُ السَّلَفُ لِمَنْفَعَةِ الْمُتَسَلِّفِ، فَإِنْ قَصَدَ الْمُسَلِّفُ نَفْعَ نَفْسِهِ مَعَهُ لَمْ يَجُزْ (فَقَالَا: وَدِدْنَا) أَحْبَبْنَا (ذَلِكَ فَفَعَلَ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمَا الْمَالَ، فَلَمَّا قَدِمَا بَاعَا فَأُرْبِحَا فَلَمَّا دَفَعَا ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ) وَأَخْبَرَاهُ أَوْ بَلَغَهُ مِنْ غَيْرِهِمَا (قَالَ: أَكُلَّ الْجَيْشِ أَسْلَفَهُ مِثْلَ مَا أَسْلَفَكُمَا؟ قَالَا: لَا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) أَنْتُمَا (ابْنَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَسْلَفَكُمَا) مُحَابَاةً لَهُ (أَدِّيَا الْمَالَ وَرَبْحَهُ) احْتِيَاطًا لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُمْ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ.
(فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ) الْمُكَبَّرُ (فَسَكَتَ) أَدَبًا وَلِشِدَّةِ وَرَعِهِ.
(وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا) الْفِعْلُ (لَوْ نَقَصَ هَذَا الْمَالُ أَوْ هَلَكَ لَضَمِنَّاهُ) لِأَنَّهُ سَلَفٌ (فَقَالَ عُمَرُ: أَدِّيَاهُ) قَالَ عِيسَى: كَرَاهَةً لِتَفْضِيلِ أَبِي مُوسَى لِوَلَدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُمَا ذَلِكَ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِنَا إِنَّ أَبَا مُوسَى تَسَلَّفَ الْمَالَ وَكَانَ بِيَدِهِ عَلَى مَعْنَى الْوَدِيعَةِ وَأَسْلَفَهُمَا إِيَّاهُ، وَإِنْ قُلْنَا كَانَ بِيَدِهِ لِلتَّنْمِيَةِ وَالْإِصْلَاحِ فَلِعُمَرَ تَعَقُّبُ ذَلِكَ كَالْمُبْضِعِ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ فَلِلَّذِي أَبْضَعَهُ تَعَقُّبُهُ، وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا وَفَاءٌ لَضَمِنَهُ أَبُو مُوسَى، قَالَهُ الْبَاجِيُّ.
(فَسَكَتَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَاجَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ) أَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ، وَفِيهِ احْتِجَاجُ الِابْنِ عَلَى الْأَبِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعُقُوقٍ وَلَا هَضْمٍ مِنْ حَقِّ الْأُبُوَّةِ وَلَا حَقِّ الْخِلَافَةِ، وَجَوَازِ الِاحْتِجَاجِ حَيْثُ لَا نَصَّ.
(فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ عُمَرَ) يُقَالُ إِنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: (يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا) إِشَارَةً إِلَى عَرْضِ مَا رَآهُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ عُمَرُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute