وَكَذَلِكَ ذكره أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ عَن الْفراء فَقَالَ انه خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمعْنَى فَمن يقدر على تكذيبك بالثواب وَالْعِقَاب بعد مَا تبين لَهُ أَنا خلقنَا الانسان على مَا وَصفنَا قَالَه الْفراء
قَالَ وَأما الدّين فَهُوَ الْجَزَاء (قلت) وَكَذَلِكَ قل غير وَاحِد كَمَا روى ابْن أبي حَاتِم عَن النَّضر بن عَرَبِيّ {فَمَا يكذبك بعد بِالدّينِ} أَي بِالْحِسَابِ
وَمن تَفْسِير الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَي بِحكم الله قلت قَالَ بِحكم الله لقَوْله {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} وَهُوَ سُبْحَانَهُ يحكم بَين الْمُصدق بِالدّينِ والمكذب بِهِ
وعَلى هَذَا قَوْله {فَمَا} وصف للأشخاص وَلم يقل فَمن لِأَن مَا يُرَاد بِهِ الصِّفَات دون الْأَعْيَان وَهُوَ الْمَقْصُود كَقَوْلِه {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} وَقَوله {لَا أعبد مَا تَعْبدُونَ} وَقَوله {وَنَفس وَمَا سواهَا} كَأَنَّهُ قيل فَمَا المكذب بِالدّينِ بعد هَذَا أَي من هَذِه صفته ونعته هُوَ جَاهِل ظَالِم لنَفسِهِ وَالله يحكم بَين عباده فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ من هَذَا النبأ الْعَظِيم
وَقَوله {بعد} قد قيل انه (بعد مَا ذكر من دَلَائِل الدّين)
وَقد يُقَال لم يذكر الا الاخبار بِهِ وَأَن النَّاس نَوْعَانِ فِي أَسْفَل سافلين وَنَوع لَهُم أجر غير ممنون فقد ذكر الْبشَارَة والنذارة وَالرسل بعثوا مبشرين ومنذرين
فَمن كَذبك بعد هَذَا فحكمة إِلَى الله أحكم الْحَاكِمين وَأَنت قد بلغت مَا وَجب عَلَيْك تبليغه
وَقَوله {فَمَا يكذبك} لَيْسَ نفيا للتكذيب فقد وَقع بل قد يُقَال انه تعجب مِنْهُ كَمَا قَالَ {وَإِن تعجب فَعجب قَوْلهم أئذا كُنَّا تُرَابا أئنا لفي خلق جَدِيد} الرَّعْد ١٣ ٥
وَقد يُقَال ان هَذَا تحقير لشأنه وتصغير لقدره لجهله وظلمه كَمَا يُقَال من فلَان وَمن يَقُول هَذَا الا جَاهِل لكنه ذكر بِصِيغَة مَا فَإِنَّهَا تدل على صفته وَهِي الْمَقْصُودَة اذ لَا غَرَض فِي عينه كَأَنَّهُ قيل فأبي صنف وَأي جَاهِل يكذبك بعد بِالدّينِ فَإِنَّهُ من الَّذين يردون إِلَى أَسْفَل سافلين
وَقَوله {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} يدل على أَنه الْحَاكِم بَين المكذب بِالدّينِ وَالْمُؤمن بِهِ وَالْأَمر فِي ذَلِك لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى