اللَّازِم لَهُم لِأَن كل مَعْصِيّة عِنْدهم كفر وَقد جوزوا الْمعاصِي على النَّبِي وَهَذَا يَقْتَضِي فَسَاد قَوْلهم بِأَن قَوْلهم كل مَعْصِيّة كفر وَقَوْلهمْ بِجَوَاز الْمعاصِي عَلَيْهِم وَإِلَّا فَلم يلتزموا أَن يكون النَّبِي كَافِرًا ولازم الْمَذْهَب لَا يجب أَن يكون مذهبا
وَطَوَائِف أهل الْكَلَام الَّذين يجوزون بعثة كل مُكَلّف من الْجَهْمِية والأشعرية وَمن وافقهم من اتِّبَاع الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة كَالْقَاضِي أبي يعلى وَابْن عقيل وَغَيرهم متفقوه أَيْضا على أَن الْأَنْبِيَاء أفضل الْخلق وَأَن النَّبِي لَا يكون فَاجِرًا لَكِن يَقُولُونَ هَذَا لم يعلم بِالْعقلِ بل علم بِالسَّمْعِ بِنَاء على مَا تقدم من أصلهم من أَن الله يجوز أَن يفعل كل مُمكن
وَأما الْجُمْهُور الَّذين يثبتون الْحِكْمَة والأسباب فَيَقُولُونَ نَحن نعلم بِمَا عَمِلْنَاهُ من حِكْمَة الله أَنه لَا يبْعَث نَبيا فَاجِرًا وَأَن مَا ينزل على الْبر الصَّادِق لَا يكون إِلَّا مَلَائِكَة لَا تكون شياطين كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَإنَّهُ لتنزيل رب الْعَالمين نزل بِهِ الرّوح الْأمين على قَلْبك لتَكون من الْمُنْذرين} إِلَى قَوْله {هَل أنبئكم على من تنزل الشَّيَاطِين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السّمع وَأَكْثَرهم كاذبون وَالشعرَاء يتبعهُم الْغَاوُونَ ألم تَرَ أَنهم فِي كل وَاد يهيمون وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} سُورَة الشُّعَرَاء ١٩٢ ٢٢٦
فَهَذَا مِمَّا بَين الله بِهِ الْفرق بَين الكاهن وَالنَّبِيّ وَبَين الشَّاعِر وَالنَّبِيّ لما زعم المفترون أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاعِر وكاهن وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَتَاهُ الْوَحْي فِي أول الْأَمر وَخَافَ على نَفسه قبل أَن يستيقن أَنه ملك قَالَ لِخَدِيجَة لقد خشيت على نَفسِي قَالَت كلا وَالله لَا يخزيك الله أبدا إِنَّك لتصل الرَّحِم وَتصدق الحَدِيث وَتحمل الْكل وتقري الضَّيْف وتكسب الْمَعْدُوم وَتعين على نَوَائِب الْحق فاستدلت رَضِي الله عَنْهَا بِحسن عقلهَا على أَن من يكون الله قد خلقه بِهَذِهِ الْأَخْلَاق الْكَرِيمَة الَّتِي هِيَ من أعظم صِفَات الْأَبْرَار الممدوحين أَنه لَا يخزيه فَيفْسد الشَّيْطَان عقله وَدينه وَلم يكن مَعهَا قبل ذَلِك وَحي تعلم بِهِ انْتِفَاء ذَلِك بل عَلمته بِمُجَرَّد عقلهَا الرَّاجِح
وَكَذَلِكَ لما ادّعى النُّبُوَّة من ادَّعَاهَا من الْكَذَّابين مثل مُسَيْلمَة الْكذَّاب والعنسي وَغَيرهمَا مَعَ مَا كَانَ يشْتَبه من أَمرهم لما كَانَ ينزل عَلَيْهِم من الشَّيْطَان ويوحون إِلَيْهِم