وَمن الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ من لُغَة الْعَرَب أَنهم لَا يسمون كل مَخْلُوق مَوْجُود آفلا وَلَا كل مَوْجُود بِغَيْرِهِ آفلا وَلَا كل مَوْجُود يجب وجوده بِغَيْرِهِ لَا بِنَفسِهِ آفلا وَلَا مَا كَانَ من هَذِه الْمعَانِي الَّتِي يعنيها هَؤُلَاءِ بِلَفْظ الْإِمْكَان بل هَذَا أعظم افتراء على الْقُرْآن واللغة من تَسْمِيَة كل متحرك آفلا وَلَو كَانَ الْخَلِيل أَرَادَ بقوله {لَا أحب الآفلين} سُورَة الْأَنْعَام ٧٦ هَذَا الْمَعْنى لم ينْتَظر مغيب الْكَوْكَب وَالشَّمْس وَالْقَمَر ففساد قَول هَؤُلَاءِ المتفلسفة فِي الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ أظهر من فَسَاد قَول أُولَئِكَ
وأعجب من هَذَا قَول من قَالَ فِي تَفْسِيره إِن هَذَا قَول الْمُحَقِّقين
واستعارته لفظ الْهوى والحظيرة لَا يُوجب تَبْدِيل اللُّغَة الْمَعْرُوفَة فِي معنى الأفول فَإِن وضع هُوَ لنَفسِهِ وضعا آخر فَلَيْسَ لَهُ أَن يَتْلُو عَلَيْهِ كتاب الله تَعَالَى فيبدله أَو يحرفه
وَقد ابتدعت القرامطة الباطنية تَفْسِيرا آخر كَمَا ذكره أَبُو حَامِد فِي بعض مصنفاته كمشكاة الْأَنْوَار وَغَيرهَا أَن الْكَوَاكِب وَالشَّمْس وَالْقَمَر هِيَ النَّفس وَالْعقل الفعال وَالْعقل الأول وَنَحْو ذَلِك
وشبهتهم فِي ذَلِك أَن إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجل من أَن يَقُول لمثل هَذِه الْكَوَاكِب إِنَّه رب الْعَالمين بِخِلَاف مَا ادعوهُ من النَّفس وَمن الْعقل الفعال الَّذِي يَزْعمُونَ أَنه رب كل مَا تَحت فلك الْقَمَر وَالْعقل الأول الَّذِي يَزْعمُونَ أَنه مبدع الْعَالم كُله
وَقَول هَؤُلَاءِ وَإِن كَانَ مَعْلُوم الْفساد بِالضَّرُورَةِ من دين الْإِسْلَام فابتداع أُولَئِكَ طرق مثل هَؤُلَاءِ على هَذَا الْإِلْحَاد
وَمن الْمَعْلُوم بالاضطرار من لُغَة الْعَرَب أَن هَذِه الْمعَانِي لَيست هِيَ الْمَفْهُوم من لفظ الْكَوْكَب وَالْقَمَر وَالشَّمْس
وَأَيْضًا فَلَو قدر أَن ذَلِك يُسمى كوكبا وقمرا وشمسا بِنَوْع من التَّجَوُّز فَهَذَا غَايَته أَن يسوغ للْإنْسَان أَن يسْتَعْمل اللَّفْظ فِي ذَلِك لكنه لَا يُمكنهُ أَن يَدعِي أَن أهل اللُّغَة الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن كَانُوا يُرِيدُونَ أَن يَدعِي أَن أهل اللُّغَة الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن كَانُوا يُرِيدُونَ هَذَا بِهَذَا