ساكنة والنون لا تدغم في الجيم وإنما خفيت النون؛ لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم فحذفت من الكتاب، وهي في اللفظ ثابتة ومن قال إنها مدغمة فقد غلط، قال الزجاج: أما ما روي عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له؛ لأن ما لم يسم فاعله لا يكون بغير فاعل، قال: وقد قال بعضهم: المعنى نجى النجاء المؤمنين وهذا خطأ بإجماع النحويين كلهم لا يجوز ضرب زيدا يريد ضرب الضرب زيدا؛ لأنك إذا قلت ضرب زيد فقد علم أن الذي ضربه ضرب فلا فائدة في إضماره وإقامته مقام الفاعل وإنما قال الزجاج: ذلك لأن الفراء وأبا عبيد تحيلا في تخريج وجه هذه القراءة على هذا قال الفراء: القراء يقرءونها بنونين وكتابتها بنون واحدة؛ وذلك لأن النون الثانية ساكنة ولا تظهر الساكنة على اللسان فلما خفيت حذفت، وقد قرأها عاصم فيما أعلم بنون واحدة ونصب المؤمنين كأنه احتمل اللحن لا يعرف لها جهة إلا تلك؛ لأن ما لم يسم فاعله إذا خلا باسم رفعه إلا أن يكون أضمر المصدر في نجى، فنوي به الرفع ونصب المؤمنين فيكون كقوله: ضرب الضرب زيدا ثم يكنى عن الضرب فتقول ضرب زيدا وكذلك نجى النجاء المؤمنين، وقال أبو عبيد: الذي عند نافيه أنه ليس بلحن وله مخرجان في العربية؛ أحدهما: أن يريد ننجي مشددة؛ لقوله:{وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} ثم تدغم الثانية في الجيم.
والمخرج الآخر أن يريد نجى فعل، فيكون معناه نجى النجاء المؤمنين فيكون نصب المؤمنين على هذا، ثم ترسل الياء فلا ينصبها.
قلت: الوجه للثاني قد أبطله الزجاج على ما سبق والأول فاسد؛ لأنه قدر الكلمة مشددة الجيم، ثم جوز أن تدغم النون الثانية في الجيم ولا يتصور الإدغام في حرف مشدد، ولم يكن له حاجة إلى تقدير الكلمة مشددة الجيم بل لو ادعى أن الأصل ما قرأ به الجماعة بتخفيف الجيم، ثم زعم الإدغام لكان أقرب على أنه أيضا ممتنع، قال النحاس: هذا القول لا يجوز عند أحد من النحويين؛ لبعد النون من الجيم فلا تدغم فيها فلا يجوز في:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} مجاء بالحسنة، وقال الزمخشري: النون لا تدغم في الجيم، ومن تمحل لصحته فجعله فعل، وقال: نجى النجاء المؤمنين فأرسل الياء وأسنده إلى مصدره فمتعسف بارد التعسف.
قلت: ومعنى قولهم أرسل الياء؛ أي: أسكنها وقال مكي: فيه بعد من وجهين؛ أحدهما: أن الأصل أن يقوم المفعول مقام الفاعل دون المصدر.
والثاني: أنه كان يجب فتح الياء من نجى؛ لأنه فعل ماضٍ قال: وقيل: إن هذه القراءة على طريق إخفاء النون في الجيم قلت: وهذا تأويل أبي علي في الحجة، قال مكي: وهذا أيضا بعيد،؛ لأن الرواية بتشديد الجيم والإخفاء لا يكون معه تشديد، قال: وقيل: أدغم النون في الجيم وهذا أيضا لا نظير له لا يدغم النون في الجيم في شيء من كلام العرب؛ لبعد ما بينهما وإنما تعلق من قرأ هذه القراءة بأن هذه اللفظة في المصاحف بنون واحدة، قال: فهذه القراءة إذا قرئت بتشديد الجيم وضم النون وإسكان الياء غير ممكنة في العربية قال أبو علي: فأما قول من قال إنه يسند الفعل إلى المصدر ويضمر؛ لأن الفعل دل عليه، فذلك مما لا يجوز في ضرورة الشعر والبيت الذي أنشده ابن قتيبة:
ولو ولدت فقيرة جرو كلب ... لسب بذلك الجرو الكلابا
لا يكون حجة في هذه القراءة وإنما وجهها ما ذكرنا؛ لأن الراوي حسب الإخفاء إدغاما.