ثُمَّ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ شِدَّةِ الْأَمْرِ فِي مَظَالِمِ الْعِبَادِ. فَإِنَّهُ مَعَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ لِلشَّهِيدِ بَيَّنَ أَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالدَّيْنِ، وَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَنْ وَحْيٍ فَإِنَّهُ قَالَ: «كَمَا زَعَمَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -» لِيُعْلِمَ كُلَّ أَحَدٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ رِضَا الْخَصْمِ.
وَقِيلَ: هَذَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ الِاسْتِدَانَةِ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِمْ لِعَجْزِهِمْ عَنْ قَضَائِهِ. وَلِهَذَا كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَيِّتٍ مَدْيُونٍ لَمْ يَخْلُفْ مَا لَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ، ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ عِيَالًا فَهُوَ عَلَيَّ» .
وَقَدْ وَرَدَ نَظِيرُ هَذَا فِي الْحَجِّ، «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - دَعَا لِأُمَّتِهِ بِعَرَفَاتٍ فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا الْمَظَالِمَ فِيمَا بَيْنَهُمْ. ثُمَّ دَعَا بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ صَبِيحَةَ الْجَمْعِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ حَتَّى الْمَظَالِمَ. وَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُخْبِرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْضِي عَنْ بَعْضِهِمْ حَقَّ بَعْضٍ» . فَلَا يَبْعُدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّهِيدِ الْمَدْيُونِ. فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا إنَّهُ دَخَلَ فِيهِ بَعْضُ الْيُسْرِ.
١٧ - وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَ: رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ يُرِيدُ عَرَضَ الدُّنْيَا. فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: لَا أَجْرَ لَهُ فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: عُدْ لِرَسُولِ اللَّهِ لَعَلَّكَ لَمْ تُفْقِهْهُ، أَيْ لَمْ تُفْهِمْهُ. فَقَالَ: رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضَ الدُّنْيَا. فَقَالَ: لَا أَجْرَ لَهُ ثُمَّ أَعَادَ ثَالِثًا، فَقَالَ: لَا أَجْرَ لَهُ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلسَّائِلِ أَنْ يُكَرِّرَ السُّؤَالَ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُجِيبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute