للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهؤلاء يؤول الأمر بهم إلى ألَّا يُفرِّقوا بين المأمور والمحظور وأولياء الله وأعدائه والأنبياء والمتقين، ويجعلون الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ويجعلون المتقين كالفُجَّار ويجعلون المسلمين كالمجرمين ويعطلون الأمر والنهي والوعد والوعيد والشرائع وربما سموا هذا (حقيقة) , ولعمري إنه حقيقة كونية لكن هذه الحقيقة الكونية قد عرفها عُبَّاد الأصنام كما قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (١)، وقال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (٢).

فالمشركون الذين يعبدون الأصنام كانوا مقرِّين بأنَّ الله خالقُ كلِّ شيءٍ وربُّه ومليكُه، فمن كان هذا منتهى تحقيقه كان أقرب أن يكون كعُبَّاد الأصنام، و (المؤمن) إنما فارق الكفر بالإيمان بالله وبرسله وبتصديقهم فيما أخبروا وطاعتهم فيما أمروا واتباع ما يرضاه الله ويحبه دون ما يقدِّره ويقضيه من الكفر والفسوق والعصيان، ولكن يرضى بما أصابه من المصائب لا بما فعله من المعائب، فهو من الذنوب يستغفر، وعلى المصائب يصبر، فهو كما قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} (٣)، فيجمع بين طاعة الأمر والصبر على المصائب، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (٤) " (٥).


(١) سورة الزمر: ٣٨.
(٢) سورة المؤمنون: ٨٤ - ٨٥.
(٣) سورة غافر: ٥٥.
(٤) سورة آل عمران: ١٢٠.
(٥) مجموع الفتاوى ١٠/ ٦٨١ - ٦٨٥، وينظر: الدرة البهية في شرح العقيدة التائية، ص ٦٨، تسلية أهل المصائب، ص ١٥٢، ١٦١.

<<  <   >  >>