إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا ابْنٌ حَتَّى إنَّ الْأَخَ يَرِثُ مَعَ الِابْنَةِ فَإِنْ قِيلَ هُمَا شَرْطَانِ ذُكِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَادِثَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَحَدِهِمَا الذَّكَرُ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّانِي الذَّكَرُ قُلْنَا لَا كَذَلِكَ بَلْ الْكُلُّ شَرْطٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ ذُكِرَ أَوَّلًا إذَا كَانَ الْأَخُ هُوَ الْمَيِّتُ يُجْعَلُ لِلْمَيِّتِ النِّصْفُ، ثُمَّ قُلْت الْمَسْأَلَةُ بِجَعْلِ الْأُخْتِ هِيَ الْمَيِّتَ وَالْأَخِ هُوَ الْوَارِثَ وَجَعْلِ لَهُ جَمِيعَ الْمَالِ فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الشَّرْطَ وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ الْوَلَدِ، ثُمَّ الْمُرَادُ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ الذَّكَرُ دُونَ الْأُنْثَى فَكَذَلِكَ الْمُرَادُ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ سُئِلَ عَنْ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ مَا بَقِيَ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ قَدْ ضَلَلْت إذًا، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُهْتَدِينَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ» فَفِي هَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْأُخْتَ عَصَبَةٌ مَعَ الْبِنْتِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ حَالَةَ الِانْفِرَادِ حَالَ الْأُخْتِ أَقْوَى مِنْ حَالِ الِاخْتِلَاطِ بِالْإِخْوَةِ لِأَنَّ حَالَةَ الِاخْتِلَاطِ حَالُ مُزَاحَمَةٍ وَحَالَ الِانْفِرَادِ حَالُ عَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ. فَإِذَا كَانَتْ هِيَ لَا تُحْجَبُ عَنْ الْمِيرَاثِ فِي حَالَةِ الِاخْتِلَاطِ بِالْإِخْوَةِ فَلَأَنْ لَا تُحْجَبَ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ كَانَ أَوْلَى وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ وُجُودَ عَيْنِ الْوَلَدِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ حِرْمَانَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَإِنَّمَا يَحْجُبُونَ بِفَرِيضَةِ الِابْنَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ لِلْأَخَوَاتِ الْمُفْرَدَاتِ لِأَبَوَيْنِ السُّدُسَ مَعَ الِابْنَةِ الْوَاحِدَةِ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَجْبُ الْأَخَوَاتِ بِفَرِيضَةِ الْبَنَاتِ لَكَانَتْ تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الِابْنَةِ الْوَاحِدَةِ فِي فَرِيضَةِ الْبَنَاتِ كَبَنَاتِ الِابْنِ فَإِنَّهُنَّ يُزَاحِمْنَ الِابْنَةَ الْوَاحِدَةَ فِي فَرِيضَةِ الْبَنَاتِ فَيَكُونُ لَهُنَّ السُّدُسُ.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حَجْبَ الْأَخَوَاتِ بِفَرِيضَةِ الْبَنَاتِ فِيمَا وَرَاءَ فَرِيضَةِ الِابْنَةِ انْعَدَمَ الْحَجْبُ فَيَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُنَّ بِخِلَافِ بَنَاتِ الِابْنِ مَعَ الِابْنَتَيْنِ لِأَنَّ حَجْبَهُنَّ بِوُجُودِ الْبَنَاتِ لَا بِفَرِيضَةِ الْبَنَاتِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْبَنَاتِ الْمِيرَاثَ يَنْبَنِي عَلَى الْقُرْبِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْوِلَادَةِ فَوَلَدُ الرَّجُلِ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ وَلَدِ ابْنِهِ وَوَلَدُ ابْنِهِ أَقْرَبُ مِنْ وَلَدِ جَدِّهِ كَمَا أَنَّ الْأَبَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْجَدِّ وَالْأَخَوَاتُ وَلَدُ الْأَبِ وَالْعُصُوبَةُ تُسْتَحَقُّ بِالْوِلَادَةِ لَا بِالْأَبِ فِي الْجُمْلَةِ فَعِنْدَ الْحَاجَةِ يَثْبُتُ حُكْمُ الْعُصُوبَةِ لِوَلَدِ الْأَبِ ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى، وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ لِأَنَّهُنَّ صِرْنَ مَحْجُوبَاتٍ عَنْ فَرِيضَةِ الْبَنَاتِ. فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ ذَكَرٌ مَعَهُنَّ فَجَعْلُهُنَّ عَصَبَةً بِالذَّكَرِ أَوْلَى وَإِذَا لَمْ يَكُنْ يَجْعَلُهُنَّ عَصَبَةً فِي اسْتِحْقَاقِ مَا وَرَاءِ فَرِيضَةِ الْبَنَاتِ بِخِلَافِ فَرِيضَةِ بَنَاتِ الِابْنِ فَالْحَاجَةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَى ذَلِكَ فِي حَقِّهِنَّ فَإِنَّهُنَّ لَا يُحْجَبْنَ عَنْ فَرِيضَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute