رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا أَعْطَى الْأَرْشَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَبَيْنَ مَا إذَا أَعْطَاهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، قَالَ: إذَا أَعْطَاهُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّ الْمَجْرُوحَ يُخَيَّرُ خِيَارًا مُسْتَقْبَلًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَاهُ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّ ذَلِكَ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلدِّيَةِ طَوْعًا بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَأَخَذَهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْعَبْدُ فَإِنْ أَخَذَهَا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَإِنْ أَخَذَهَا بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي جَعَلَ ذَلِكَ كَالشِّرَاءِ الْمُبْتَدَإِ وَعَنْ زُفَرَ أَنَّهُ قَالَ: فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا قَضَى بِالْأَرْشِ بِنَاءً عَلَى اخْتِيَارِهِ.
قَالَ: وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً فَاخْتَارَ الْمَوْلَى إمْسَاكَ عَبْدِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ قَاضٍ أَوْ عِنْدَ غَيْرِ قَاضٍ فَالْعَبْدُ عَبْدُهُ وَالْأَرْشُ دَيْنٌ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: إنْ أَدَّى الدِّيَةَ مَكَانَهُ وَإِلَّا دَفَعَ الْعَبْدَ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْأَوْلِيَاءُ أَنْ يَتْبَعُوهُ بِالدِّيَةِ عَلَى مَا قَالَ فَإِنْ رَضُوا بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعُوا فِي الْعَبْدِ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ نَفْسَ صَاحِبِ الْعَبْدِ صَارَ حَقًّا لِمَوْلَى الْجِنَايَةِ إلَّا أَنَّ الْمَوْلَى يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْوِيلِ حَقِّهِمْ مِنْ الْعَبْدِ إلَى الْأَرْشِ بِاخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ فَإِذَا أَعْطَاهُمْ الْأَرْشَ كَانَ هَذَا تَحْوِيلًا لِحَقِّهِمْ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ فِيهِ وَفَاءٌ بِحَقِّهِمْ فَيَكُونُ صَحِيحًا مِنْهُ وَإِذَا كَانَ مُفْلِسًا كَانَ هَذَا مِنْهُ إبْطَالًا لِحَقِّهِمْ لَا تَحْوِيلًا مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ يُعَدُّ لَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَاطِلًا مِنْ الْمَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْمَوْلَى كَانَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ مِنْ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ.
فَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الضَّرَرِ كَانَ بَاطِلًا بِمَنْزِلَةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إذَا مَاتَ مُفْلِسًا فَإِنَّ الدَّيْنَ يَعُودُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ لِأَنَّهُ حَوَّلَ حَقَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْ عَادَ كَمَا كَانَ وَفِي بَيْعِ الْمُعَاوَضَةِ إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْآخَرِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ حَوَّلَ حَقَّهُ إلَى الْعِوَضِ الْآخَرِ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ فَإِذَا لَمْ يُسْلِمْ عَادَ كَمَا كَانَ وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ وَالْآخَرُ بِالشُّفْعَةِ إنْ سَلَّمَ الثَّمَنَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي فَصْلِ الشُّفْعَةِ بِالتَّسْلِيمِ فَهَاهُنَا أَيْضًا إنْ رَضِيَ الْمَوْلَى كَانَ مُسْقِطًا حَقَّهُ فِي الْعَبْدِ وَإِنْ أَبَى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَالْمُخَيَّرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ وَاجِبًا مِنْ الْأَصْلِ كَالْمُكَفِّرِ إذَا اخْتَارَ أَحَدَ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فَهَاهُنَا بِاخْتِيَارِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الدِّيَةُ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى مِنْ الْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَبْدَ فَارِغٌ مِنْ الْجِنَايَةِ فَلَا يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ.
يُوضِحُهُ أَنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ شَرْعًا يَسْتَبِدُّ بِالْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رِضَا صَاحِبِهِ وَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute