وَاسْتِرْدَادِ الرَّهْنِ مَتَى شَاءَ وَلَمْ يَتَحَقَّقَ عَجْزُهُ عَنْ دَفْعِهَا بِهَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ فَلَا يُجْعَلُ ذَلِكَ اخْتِيَارًا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ ثَبَتَ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ لَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ إبْطَالَهُ وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنْ دَفْعِهَا وَإِنْ ضَرَبَ الْعَبْدَ ضَرْبًا لَزِمَهُ مِنْهُ عَيْبٌ فَاحِشٌ أَوْ جَرَحَهُ أَوْ قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ فَمُخْتَارٌ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ يَثْبُتُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ وَقَدْ فُوِّتَ جُزْءٌ فَامْتَنَعَ الدَّفْعُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ وَهُوَ لَا يَتَحَمَّلُ التَّجَزُّؤَ فِي الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ فَتَفْوِيتُ جُزْءٍ مِنْهُ كَتَفْوِيتِ كُلِّهِ.
وَلَوْ دَفَعَ الْعَبْدَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا الْمَوْلَى فِي الطَّرِيقِ أَوْ أَصَابَهُ جُنَاحٌ أَشْرَعهُ الْمَوْلَى فَلَيْسَ هَذَا بِاخْتِيَارٍ لِأَنَّ الْمَوْلَى إنْ كَانَ فَعَلَ هَذَا قَبْلَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ بَعْدَ جِنَايَتِهِ إذْ لَا صُنْعَ لَهُ فِي وُقُوعِ الْعَبْدِ فِي الْبِئْرِ وَإِنْ كَانَ الْحَفْرُ مِنْهُ بَعْدَ جِنَايَتِهِ فَهُوَ عِنْدَ الْحَفْرِ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَهُ يَقَعُ بِهِ وَلَا قَصَدَ ذَلِكَ بِحَفْرِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَصِيرُ قَاتِلًا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالِاخْتِيَارُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِمُبَاشَرَةِ فِعْلٍ مِنْ الْمَوْلَى يَكُونُ مُقَوِّيًا لَهُ مَحَلَّ الدَّفْعِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارٍ مِنْهُ وَلَكِنْ عَلَى الْمَوْلَى الْقِيمَةُ إنْ مَاتَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا لِأَنَّ الْمَوْلَى سَبَبٌ لِهَلَاكِهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ التَّسَبُّبِ وَلَوْ أَتْلَفَهُ مُبَاشَرَةً عَلَى وَجْهٍ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَتْلَفَهُ بِطَرِيقِ التَّسْبِيبِ.
وَلَوْ أَوَطْأَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى دَابَّتِهِ أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ الْوَطْءَ وَلَا الْوُقُوعَ فَهَذَا اخْتِيَارٌ وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ قَتْلَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَمُبَاشَرَةُ الْقَتْلِ بِتَفْوِيتِ مَحَلِّ الدَّفْعِ فَإِذَا كَانَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ يُجْعَلُ اخْتِيَارًا وَلَا مُعْتَبَرُ بِتَعَمُّدِهِ الْوَطْءَ وَالْوُقُوعَ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَاطِنِهِ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ كَاتَبَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِجِنَايَتِهِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِأَنَّهُ مَنَعَ الدَّفْعَ بِمَا أَحْدَثَ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ حِينَ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْجِنَايَةِ فَيَكُونُ مُسْتَهْلِكًا مَحَلَّ الدَّفْعِ وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةَ لِمَوْلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ كَالرَّاهِنِ إذَا اسْتَهْلَكَ الْمَرْهُونَ يَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَ عَلِمَ بِإِحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْأُخْرَى فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلَّذِي عَلِمَ بِهَا وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ وَلِلْأُخْرَى حِصَّتُهَا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ تَصَرُّفَهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ كَأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ سِوَاهَا فَفِيمَا كَانَ عَالِمًا بِهَا يَجْعَلُ مُخْتَارًا لِوُجُودِ دَلِيلِ الِاخْتِيَارِ وَفِيمَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا مُسْتَهْلِكًا مَحَلَّ الدَّفْعِ فَعَلَيْهِ حِصَّتُهَا مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ.
وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً لَمْ تَبْلُغْ النَّفْسَ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى وَهُوَ يَعْلَمُ بِهَا قَبْلَ الْبُرْءِ ثُمَّ انْتَقَضَتْ الْجِرَاحَةُ فَمَاتَ وَهُوَ مُخْتَارٌ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِتَخَيُّرِ الْمَوْلَى جِنَايَةُ الْعَبْدِ وَإِنَّمَا وُجِدَ الْإِعْتَاقُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهَا فَيَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute