حِنْطَةٍ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَازَتْ كَانَتْ بِرَأْسِ مَالِ دَيْنٍ يَبْتَدِئُ عَقْدَ السَّلَمِ بِرَأْسِ مَالٍ هُوَ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ وَلِهَذَا لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الزِّيَادَةِ بِحَالَةِ ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَعَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ ثُلُثَ رَأْسِ الْمَالِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ وَعَلَيْهِ كُرُّ حِنْطَةٍ تَامٌّ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ شَيْءٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَا حَطَّ شَيْئًا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنَّمَا زَادَهُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَلَمْ تَثْبُتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فَبَقِيَ جَمِيعُ رَأْسِ الْمَالِ بِمُقَابَلَةِ الْكُرِّ، وَالْعَقْدُ فِي جَمِيعِ الْكُرِّ بَاقٍ، فَلَا يَجِبُ رَدُّ شَيْءٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الزِّيَادَةُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ وَبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ إثْبَاتُ الزِّيَادَةِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ، فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ فِي السَّلَمِ فِيهِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمُعَيَّنِ وَجَبَ رَدُّ الدَّيْنِ الَّذِي بِمُقَابَلَةِ هَذَا لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ أُلْحِقَتْ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ وَنِصْفٍ، ثُمَّ أَبْطَلَا الْعَقْدَ فِي نِصْفِ الْكُرِّ فَيَجِبُ رَدُّ حِصَّتِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ الثُّلُثُ وَإِقْدَامُهُ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ إخْرَاجُ الثُّلُثِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ حَتَّى يَكُونَ بِمُقَابَلَةِ الْكُرِّ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ جَعَلَهُ بِمُقَابَلَةِ نِصْفِ الْكُرِّ جُعِلَ حَطًّا لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ، وَهُوَ إخْرَاجُ الْغَبْنِ مِنْ الْعَقْدِ وَإِدْخَالُ الرُّخْصِ فِيهِ.
وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْعَتَاقِ فِيمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ، وَهُوَ أَكْبَرُ سِنًّا مِنْهُ: هَذَا ابْنِي لَمْ يُعْتَقْ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ مَا صَرَّحَ بِهِ صَارَ لَغْوًا لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شَيْءٌ آخَرُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُجْعَلُ ذَلِكَ عِبَارَةً عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْعِتْقِ مَجَازًا فَهُنَا أَيْضًا تَحْصِيلُ الزِّيَادَةِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ عِبَارَةٌ عَنْ حَقِّ حِصَّتِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَجَازَ.
وَإِنْ كَانَ السَّلَمُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي رَأْسِ الْمَالِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَائِمٌ فِي الذِّمَّةِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي السَّلَمِ مُلْتَحِقَةً بِأَصْلِ الْعَقْدِ، ثُمَّ مَجْلِسُ الزِّيَادَةِ فِيمَا زَادَ كَمَجْلِسِ الْعَقْدِ فِي رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْعَشَرَةَ بَطَلَتْ حِصَّتُهَا مِنْ الْكُرِّ كَمَا لَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مَذْكُورَةً فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَتَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِهَا، فَإِنْ كَانَ السَّلَمُ ثَوْبًا يَهُودِيًّا قَدْ حَلَّ فَصَالَحَهُ عَلَى نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ وَعَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ الثَّوْبِ جَازَ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمَا تَقَايَلَا السَّلَمَ فِي النِّصْفِ وَذَلِكَ جَائِزٌ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَفِيهِ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: ذَلِكَ الْمَعْرُوفُ الْحَسَنُ الْجَمِيلُ، فَإِنْ أَتَاهُ بِنِصْفِ ثَوْبٍ مَقْطُوعٍ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ قِيَامِ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ لَوْ أَتَاهُ بِالثَّوْبِ مَقْطُوعًا نِصْفَيْنِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى أَخْذِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ فِي النِّصْفِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَطْعَ فِي الثَّوْبِ عَيْبٌ فَكَمَا اسْتَحَقَّ صِفَةَ السَّلَامَةِ فِي جَمِيعِ الثَّوْبِ بِالْعَقْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute