الْمُكَاتَبِ لَا تَصِيرُ مِيرَاثًا وَمَا عَلَيْهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ يَصِيرُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ فَكَذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ لِلْآخَرِ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَثْبُتُ فِي الرَّقَبَةِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْبَدَلِ قَبْلَ عَجْزِهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: هُوَ مُفَاوِضِي فِي الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يُضَافُ إلَيْهِمَا تَارَةً وَإِلَى أَحَدِهِمَا أُخْرَى وَثُبُوتُ حُكْمِ الْمُفَاوَضَةِ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ إلَى أَحَدِهِمَا بِمَنْزِلَةِ الْإِضَافَةِ إلَيْهِمَا.
وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ لِشَرِيكٍ ثَالِثٍ مَعَهُمَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ مِنْ جُمْلَةِ التِّجَارَةِ، وَهُوَ مِنْ صُنْعِ التِّجَارَةِ فَإِقْرَارُ أَحَدِهِمَا بِهِ كَإِقْرَارِهِمَا فِي سَائِرِ التِّجَارَاتِ.
وَإِذَا أَقَرَّ الذِّمِّيُّ لِمُسْلِمٍ بِالْمُفَاوَضَةِ أَوْ أَقَرَّ الْمُسْلِمُ لِلذِّمِّيِّ بِهَا فَهُوَ جَائِزٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَكُونَانِ مُتَفَاوِضَيْنِ، وَلَكِنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَصِحُّ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فِي التَّصَرُّفِ فِي أَنْوَاعِ الْمَالِ، وَإِذَا كَانَ عِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ إنْشَاءُ هَذَا الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِمَا مَا أَقَرَّا بِهِ فَمُوجَبُ هَذَا الْإِقْرَارِ كَوْنُ مَا بِيَدِهِمَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَمَا فِي يَدِهِمَا مَحَلٌّ لِذَلِكَ فَيَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَصْلُ الْمُفَاوَضَةِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ بِأَخٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُشَارِكُهُ فِي الْمِيرَاثِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ابْتِدَاءُ الْمُفَاوَضَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ صَحِيحٌ فَكَذَلِكَ يَظْهَرُ بِإِقْرَارِ الْحُرِّ لِعَبْدٍ مَأْذُونٍ أَنَّهُ شَرِيكُهُ مُفَاوَضَةً أَوْ أَقَرَّ بِهِ لِمُكَاتَبٍ وَصَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ لَمْ تَثْبُتْ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ الْمُفَاوَضَةِ بَيْنَهُمَا لَا يَصِحُّ، وَلَكِنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ وَاحْتِمَالِ أَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمَا لِلشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِدَيْنٍ وَلَا وَدِيعَةٍ؛ لِأَنَّ نُفُوذَ إقْرَارِ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ الْمُفَاوَضَةِ، وَلَمْ تَصِحَّ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَقَرَّ لِصَبِيٍّ تَاجِرٍ بِالْمُفَاوَضَةِ أَوْ أَقَرَّ الصَّبِيُّ التَّاجِرُ لِصَبِيٍّ تَاجِرٍ وَصَدَّقَهُ الْآخَرُ فَمَا فِي أَيْدِيهِمَا بَيْنَهُمَا لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا تَثْبُتُ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ إنْشَاءَ هَذَا الْعَقْدِ بَيْنَهُمَا لَا يَصِحُّ فَإِنَّ مُوجَبَ الْمُفَاوَضَةِ الْكَفَالَةُ الْعَامَّةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ.
وَإِذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِالشَّرِكَةِ مُفَاوَضَةً وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْمُقَرِّ لَهُ مُبْطِلٌ لِلْإِقْرَارِ.
وَلَوْ قَالَ الْآخَرُ أَنَا شَرِيكُكَ فِيمَا فِي يَدِكَ غَيْرَ مُفَاوَضَةٍ وَلَسْتَ شَرِيكِي فِيمَا فِي يَدِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيمَا فِي يَدِهِ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ مَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute