قَرُبَ إلَيْهِ فِي خُصُومَةٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخَصْمٌ أَنْتَ فَقَالَ نَعَمْ «فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا أَنْ نُضَيِّفَ الْخَصْمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَصْمُهُ مَعَهُ»، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَخُصَّ بَعْضَ النَّاسِ بِالضِّيَافَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خُصُومَةٌ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُضَيِّفَ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكْسِرُ قَلْبَ الْخَصْمِ الْآخَرِ وَيُلْحِقُ بِهِ تُهْمَةَ الْمَيْلِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُضَيِّفَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ تُهْمَةَ الْمَيْلِ تَنْتَفِي عَنْهُ إذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اقْضِ بَيْنَ هَذَيْنِ قَالَ أَأَقْضِي، وَأَنْتَ حَاضِرٌ، أَوْ جَالِسٌ قَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ نَعَمْ قَالَ عَلَى مَاذَا أَقْضِي قَالَ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّك إنْ اجْتَهَدْت فَأَصَبْت فَلَكَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَإِنْ أَخْطَأْتَ فَلَكَ حَسَنَةٌ»، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - الْمُجْتَهِدُ يُصِيبُ وَيُخْطِئُ وَعَلَيْهِ دَلَّ قَوْله تَعَالَى {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: ٧٩] وَالْفَهْمُ هُوَ إصَابَةُ الْحَقِّ فَقَدْ خَصَّهُ بِذَلِكَ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَعْذُورٌ، وَإِنْ أَخْطَأَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقُ الْإِصَابَةِ بَيِّنًا وَهُوَ مُثَابٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ فَإِنْ أَصَابَ الْمَطْلُوبَ بِالِاجْتِهَادِ فَلَهُ ثَوَابُ الِاجْتِهَادِ وَثَوَابُ إظْهَارِ الْحَقِّ بِجُهْدِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَكَ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ حَسَنَةٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ إذَا كَانَ مُصِيبًا فِي طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْ الْمَطْلُوبَ بِالِاجْتِهَادِ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يُخْفِ عَمَلًا يَشْدُدْهُ لِلْحَقِّ مَا لَمْ يَرِدْ غَيْرُهُ»، وَهَذَا فِي كُلِّ عَامِلٍ يَبْتَغِي بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَاَللَّهُ تَعَالَى يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيُوَفِّقُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: ٦٩] «. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّك إنْ أُعْطِيتهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْت إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْت عَلَيْهَا»، ثُمَّ هَذَا الْوَعْدُ لِلْقَاضِي مَا لَمْ يَظْلِمْ عَمْدًا فَالْحَيْفُ هُوَ الظُّلْمُ. فَإِذَا اشْتَغَلَ بِهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إلَى نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ بِعَمَلِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ فَمَنْ عَمِلَ لِي عَمَلًا وَأَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ كَلٌّ لِذَلِكَ الشَّرِيكِ، وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ.»
قَالَ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُنْصِفَ الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِهِمَا، وَفِي النَّظَرِ إلَيْهِمَا، وَفِي الْمَنْطِقِ أَيْ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فَالْإِنْصَافُ عِبَارَةٌ عَنْ التَّسْوِيَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُنَاصَفَةِ فَفِي كُلِّ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ مُرَاعَاةِ التَّسْوِيَةِ فِيهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ إلَّا مَا لَا يَكُونُ فِي وُسْعِهِ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ مِنْ النَّهْيِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُظْهِرَ حُجَّةَ أَحَدِهِمَا فَهُوَ غَيْرُ مُؤَاخَذٌ بِذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَوِّي فِي الْقَسْمِ بَيْنَ نِسَائِهِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute