وقال الجاحظ: شيعت عبد العزيز المخزومي قاضي مكة إلى منزله، وبباب المسجد مجنونة تصفق وتقول: أرق عيني صوت ريح القاضي، فقلت له: أظنه قاضي مكة.
وركب بعض المحدثين في سفينة، ومعه في السفينة نصراني فتغديا، ثم استخرج النصراني ركوة فيها شراب، فصب منه في كأس وشرب ثم صب فيها وعرضها على المحدث، فأخذها وشربها من غير كأس فقال له النصراني: إنما عرضت عليك كما يعرض الناس على الناس، إنما هي خمر، قال: ومن أين علمت أنها خمر؟ قال: غلامي اشتراها من يهودي حلف له أنها خمر، فشرب مرة أخرى مستعجلاً، وقال له: أنت أحمق، نحن - أصحاب الحديث - نضعف حديث سفيان بن عيينة وزيد بن هارون، فكيف نصدق نصرانياً عن غلامه عن يهودي؟ والله، ما شربتها إلا لضعف الأسانيد.
وأمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لرجل بكيس فيه دراهم، مختوم بخيط، فقال له الرجل: اخذ الخيط معه، فقال له عمر: دع الكيس وانصرف.
وجاء رجل إلى الحاكم بغلام، فقال له: اضربه ألف سوط، فإنه شتمني، قال له الحاكم: يموت، قال: فاضربه نصف سوط، قال له: كيف شتمك؟ قال: قال لي: يا مسوس، قال له: صدق، ما يلزمه شيء.
وكان الأستاذ أبو علي الشلوبيني، على جلالة قدره، ومعرفته بالنحو، فيه تغفل، فتروى عنه أشياء غريبة، طلع يوماً في زورق بوادي اشبيلية، مع طلبته، ومعه كراريس ينظر فيها، فسقطت له كراسة في الماء، فأخذ أخرى يخرجها بها.
وطلع يوماً آخر، في زورق في الوادي، فأعطاه بعض طلبته عنقود عنب، فألقاه في الماء، فلما كان بعد ساعة، وقد ساروا في الوادي نحو أربعة أميال، أدخل يده في الماء ينظره، فقالوا له: ما تنظر يا سيدي؟ قال: العنقود الذي أعطيني، كنت جعلته في الماء يبرد، فلم أجده.
وتقدم يوماً يصلي بقوم، فقرأ في الركعة الأولى: الحمد لله، و (قل أعوذ برب الناس) ثم قرأ في الركعة الثانية: الحمد لله، وسكت، فقال رجل من الجماعة: اقرأ أبجد، فضحك القوم.
وكان إذا جلس يقرئ الطلبة، ينضم إليهم قليلاً قليلاً، وهو لا يشعر، ثم إذا وصل إلى الذي يليه تذكر، ورجع إلى موضعه، فاتفق الطلبة يوماً على أن يتأخروا قليلاً قليلاً، كما انضم إليهم، ففعلوا، فجعل ينضم إليهم، وهم يتأخرون عنه، فلما كان آخر القراءة جاء ليسند على الحائط، كما كانت عادته، فسقط على ظهره، ووجد نفسه في وسط المسجد.
ونصبوا له يوماً القرق، حين أراد الخروج، وجعلوه له محولاً، فلبس الفردة، وجاء ليلبس الأخرى، فلم يمكنه، فنزعها، ودار فلبس الأخرى، وجاء يلبس الأخرى، فلم يمكنه فنزعها، ودار فلبس الأخرى، وجاء يلبس الأولى، فلم يمكنه، فنزعها، ولم يزل كذلك ينزع الواحدة، ويلبس الأخرى، فرآه صبي صغير يفعل ذلك، فأخذ الفردة الواحدة، وصوبها له مع الأخرى، فقال له: لله درك؟ ما أحذقك، ثم سأله عن والده، واجتمع معه، وقال له: دعه يقرأ؛ فما رأيت أحذق منه.
وجاء يوماً، وعليه ثوب امرأته، فنظر إليه الطلبة، وقالوا له: يا سيدي، ما هذا الثوب؟ فنظر إليه، وقال: قمت مستعجلاً، فلم أدر ما لبست.
وجاء يوماً، وغفارته محولة، صدرها من ورائه، وظهر أمامه.
وخرج يوماً، وعليه غفارة دون ثوب تحتها، فلقيه رجل، فرفع يده، ليصافحه، فظهرت عورته.
وركب يوماً بغلة، يمشي بها إلى جنان بعض أصحابه، فأخذته الهراقة، فنزل يبول، فلما ركب دارت به البغلة، فسار إلى أن وصل إلى البلد، فقال: ما أنا أريد إلا الجنان.
وركب يوماً فرساً، وسار مع الطلبة إلى موضع واحد منهم، فصادفوا في الطريق فارساً يجري، فجرى الفرس به، فقالوا: شد يدك في اللجام، فرمى اللجام من يده، وأخذ بعرف الفرس، فلم يقف، فرمى نفسه في الأرض، وأسرع الطلبة فرفعوه، وأخذوا الفرس، وقالوا له: يا سيدي، لو شددت يدك في اللجام لوقف، فقال: ما أجهلكم، هو لم يقف حين شددت يدي بالمتصل، فكيف بالمنفصل؟ وقال بعضهم: سألت السرجي عن أربعين رأساً من الغنم، نصفها ضأن، ونصفها معز، كم يجب فيها من الزكاة؟ فقال: شاة، نصفها ضأن ونصفها معز.
وكسر لوزة، فخرج منها لوزتان، فقال: سبحان الله الذي يصور في الأرحام كيف يشاء.
وقيل له: لا تأكل الثلج؛ فإنه يضر البصر، فقال: لست أزيد على مصه، وأرمي تفله.
وقال له غلامه: سرق الحمار، فقال: الحمد لله الذي لم أكن على ظهره.