وحكى بعض الناس قال، دخلت حمص، وفي فمي درهم لأشتري بعض ما أشتهي، فإذا برجل بباب المسجد، جالس على كرسي، وعلى رأسه عمامة، وقد تقلد سيفاً، وفي حجره مصحف يقرأ فيه، وإلى جانبه كلب رابض يمسكه بحبل، فسلمت عليه، وقلت له: أترى القوم صلوا؟ فقال لي: يا أحمق، وأنت أعمى أما تراني قاعداً؟ قلت: من أنت؟ قال: أنا خالد إمام المسجد، قلت: مع هذه الحيلة؟ قال: نعم، ورد رجل زنديق، يقرأ السبع الطوال، ويشتم أبا بكر الصناديقي، وعمر القواريري، وعثمان بن أبي سفيان، ومعاوية بن أبي غسان، الذي هو من حملة العرش وزوجه النبي صلى الله عليه وسلم بنته في زمن الحجاج بن يوسف، فاستولدها الحسن والحسين، قلت: ما أعرفك بالتاريخ والأنساب، قال: وما خفي عليك أكثر، قلت: أتحفظ القرآن؟ قال: نعم، قلت: فاقرأ شيئاً منه، قال: بسم الله الرحمن الرحيم، (وإذ قال لقمن لابنه وهو يعظه يبنى)(لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً)(وأكيد كيداً فمهل الكفرين أمهلهم رويداً) ، فرفعت يدي فصفعته صفعة سقطت بها عمامته، فصاح بالناس: احملوه إلى المحتسب، فأوصلوني إلى رجل حاسر حاف، قد لبس دراعة بلا سراويل، فقال: ما فعل هذا؟ قال: صفع إمام المسجد، قال: يا مسكين، هلكت نفسك، قلت: هذا حكم الله فصبراً عليه فقال: أيما أحب إليك سمل عينيك، أو قطع يديك، أو تدفع نصف درهم؟ فرفعت يدي، وصفعت المحتسب صفعة شديدة، ثم أخرجت الدرهم من فمي، وقلت: يا سيدي، خذ نصف درهم لك، ونصفه لإمامك، وانصرفت، وبأهل حمص يضرب المثل في الحمق.
وحدث الزبير عن عبد الملك الهاشمي قال: مررت ببعض المعلمين، ويعرف بكسرى، فرأيته يصلي بصبيان صلاة العصر، فلم أزل واقفاً أنظر إليه، فلما ركع أدخل رأسه بين رجليه؛ لينظر ما يصنع الصبيان خلفه، فرأى صبياً يلعب، فقال له، وهو راكع: يا ابن البقال، إني أرى ما تصنع.
وقال الجاحظ: مررت بمعلم، وقد كتب على لوح صبي:"قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً""وأكيد كيداً، فمهل الكافرين أمهلهم رويداً" فقلت: ويحك أتدخل سورة في سورة؟ قال: نعم، عافاك الله، إن والده يدخل أجرتي شهراً في شهر، وأنا أيضاً أدخل سورة في سورة، فلا أنا آخذ شيئاً، ولا الصبي يتعلم شيئاً.
وقال أبو بكر القبطي: مررت بمعلم، وهو يملي على صبي بين يديه:"فريق في الجنة وفريق في الشعير" فقلت له: ما هذا؟ ما قال الله من هذا كله شيئاً، إنما قال:(فريق في الجنة وفريق في السعير) فقال: أنت تقرأ على حرف ابن عاصم بن العلاء الكسائي، وأنا أقرأ على حرف أبي حمزة بن عاصم المدني، فقلت: معرفتك بالقراء، أعجب من معرفتك بالقراءة.
وحكى الجاحظ قال: كان بالمدينة معلم يفرط في ضرب الصبيان، فلاموه في ذلك، فساء حاله معهم، فجلست عنده يوماً، فاستفتح صبي فقال: يا سيدي (وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين) ، فقال المعلم: بل عليك وعلى والدك. وقال له الآخر: يا سيدي: (فاخرج منها فإنك رجيم) ، ما بعده، قال: ذلك أبو السجان.
وقال الجاحظ: وخرجنا مرة إلى حرب، ومعنا معلم كان يقول: إني أتمنى أن أرى الحرب، فأخرجناه معنا، فأول سهم وقع في رأسه، فلما انصرفنا، دعونا له معالجاً، فنظر إليه فقال: إن خرج الزج، وفي رأسه شيء من دماغه مات، وإن لم يخرج من دماغه شيء، لم يكن عليه بأس، فسبق إليه المعلم، وقبل رأسه وقال له: بشرك الله بكل خير، انزعه؛ فما في رأسي من دماغ، قال الحجام: ولم؟ قال: لأني معلم، وما في رءوس المعلمين ذرة من دماغ، ولو كان في رأسي ذرة من دماغ ما كنت ها هنا.
وقال غيره: كان في دربنا معلم طويل اللحية، فكنت أجلس إليه كثيراً، فجئته يوماً، وبين يديه صبي، يقول له: ويلك، الدجلة من حفرها؟ قال: عيسى بن مريم، قال: فالجبل من خلقه؟ قال: موسى بن عمران، قال: فالبعر من دوره في است الجمل؟ قال: شيطان، قال: أحسنت، فآدم من أبوه؟ قال: نوح، قال: أحسنت، فقلت: يا سبحان الله، أليس آدم أبا البشر؟ قال: نعم قلت: فكيف يكون نوح أباه؟ قال: ويلك، أتعرفني بآدم؟ وأنا أبو عبد الله المعلم، يا صبيان، كرفسوه، فكرفسوني بالبزاق، حتى صرت أبلق، فحلفت ألا أقف على معلم أبداً.