وسئل سهل بن عبد الله التستري عن أصل عبادته فقال: اعلموا، رحمكم الله، أني كنت ألفت حوضاً من الجامع أصلي فيه، فلما كان في بعض الأيام، وكان يوم جمعة، توضأت وأسرعت إلى المسجد، فوجدته قد غص بالناس، فبقيت متحيراً، فأسأت الأدب، وتخطيت رقاب الناس، حتى وصلت إلى ذلك الحوض، فركعت وجلست، فإذا عن يميني شاب حسن الصورة، وعليه ثياب صوف بيض، وعلى كتفيه طيلسان أبيض، فنظر إلي وقال: كيف تجدك يا سهل؟ فقلت: بخير، أصلحك الله، وبقيت مفكراً في معرفته لي، وأنا لم أعرفه، فبينما أنا كذلك إذ أخذتني حرقة بول، فأكربتني، وبقيت على وجل حياء من الناس أن أسيء أدبي وأتخطاهم ثانية، وإن جلست لم يكن لي صلاة، فبينما أنا كذلك، إذ التفت إلي الشاب وقال: يا سهل، هل أخذتك حرقة البول؟ فقلت: أجل، فنزع طيلسانه من منكبيه، وغشاني به، ثم قال لي: يا سهل اقضي حاجتك، وأسرع تلحق الصلاة، قال: فأغمي علي ثم فتحت عيني، فإذا أنا باب مفتوح، وسمعت قائلاً يقول: لج، يرحمك الله فولجت الباب، فإذا قصر على البنيان شامخ الأركان، وإذا في وسطه نخلة قائمة، وإذا جانبها مطهرة مملوءة ماء، ونظرت إلى موضع إراقة الماء، وإذا منشفة معلقة وسواك، فحللت سراويلي وبلت واغتسلت، وتوضأت وضوءاً كاملاً، وتنشفت، فسمعته يقول: قد قضيت أربك؟ قلت: نعم، فوضع الطيلسان، فإذا أنا جالس في مكاني، لم يشعر بي أحد، فبقيت متحيراً، لا أدري ما حل بي، وأنا مكذب لروحي فيما جرى، وقامت الصلاة، فلم أدر ما صليت، ولم يكن همي غير الفتى، فلما خرج تتبعت أثره، فإذا به قد دخل إلى درب عظيم وأنا خلفه، فالتفت إلى ورائه، فلما رآني قال: يا سهل، كأنك ما أيقنت؟ فقلت: كلا، فقال: لج الباب يرحمك الله، فنظرت إلى الباب بعينه، فولجت القصر، فرأيت النخلة والمطهر والحال بعينه، والمنشفة مبلولة بحالها، فقلت: آمنت بالله تعالى فقال: يا سهل، من أطاع الله أطاعه كل شيء، يا سهل، اطلبه تجده، فتغرغرت عيناي بالدموع، فلما مسحتهما فتحتهما، فلم أر الفتى ولا القصر، فبقيت متحيراً على ما فاتني منه متأسفاً، فاجتهدت عند ذلك في الخدمة، واستعنت بالله تعالى فأعانني.
وقيل: إن سهلاً هذا صام من يوم خروجه من بطن أمه إلى دخوله إلى القبر، لم يفطر في عمره إلا أيام العيدين، وذلك أن أمه كانت تعرض عليه ثديها بالنهار فلا يرضعه فإذا كان المغرب رضعه، فلم يزل كذلك إلى أن بلغ سبع سنين، فأخذ في الصيام والعبادة، حتى لقي الله عز وجل.
وقيل: لما كان يوم وفاته، خرج الناس بنعشه في يوم حر وشمس، فإذا بيهودي يصيح: معشر الناس، هل ترون ما أرى؟ فنظروا، فإذا بنسور قد سدت الأفق، ونشرت أجنحتها؛ تستر الناس من الشمس، فقال اليهودي عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله حقاً حقاً، ثم قضى نحبه من ساعته، فأخذوا في غسله وتكفينه، وصلى عليهما جميعاً، ودفن إلى جانب قبر سهل.
وقال ابن شريح في مرضه الذي مات فيه: رأيت البارحة في المنام كأن قائلاً يقول: هذا ربك يخاطبك، فسمعت: "ماذا أجبتم المرسلين فوقع في قلبي أنه يراد مني زيادة في الجواب، فقلت؛ بالإيمان والتصديق، غير أنا قد أصبنا من هذه الذنوب، فقال: أما أني سأغفرها لكم.