للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ولنا - معاشِرَ أهل السنة- آيات؛ منها قوله تعالى {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [غافر: ٤٦] الآية. عطف في هذه الآية عذاب القيامة على العذاب الذي هو عرض النار صباحًا ومساءً، فعلم أنه غيره، ولا شبهة في كونه قبل الإنشار من القبور كما يدل عليه نظم الآية بصريحه، وما هو كذلك ليس غير عذاب القبر اتفاقًا؛ لأن الآية وردت في حق الموتى، فهو هو؛ ولأجل ذلك ذهب أبو العلاف وبشر بن المعتمر إلى أن الكافر يعذب فيما بين النفختين أيضًا وإذا / ثبت التعذيب ثبت الإحياء والمساءلة؛ لأن كل من قال بعذاب القبر قال بهما.

[٢٠٦ أ/ص]

وأما ما ذهب إليه الصالحي من المعتزلة، وابن جرير الطبري، وطائفة من الكرامية من تجويز ذلك التعذيب على الموتى من غير إحياء، فخروج عن المعقول؛ لأن الجماد لا حس له فكيف يتصور تعذيبه؟ وما ذهب إليه بعض المتكلمين من أن الآلام تجتمع في أجساد الموتى وتتضاعف من غير إحساس بها فإذا حشروا أحسوا بها دفعة واحدة، فهو إنكار للعذاب قبل الحشر، فيبطل بما قررناه من ثبوته قبله، ومنها قوله تعالى، حكاية على سبيل التصديق {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: ١١] وما المراد بالإماتتين والإحياءين في هذه الآية إلا الإماتة قبل مزار القبور ثم الإحياء في القبر ثم الإماتة فيه أيضًا بعد مسألة منكر ونكير ثم الإحياء للحشر. هذا هو الشائع المستفيض بين أصحاب التفسير، وتمام البحث في هذه الآية في شرح المواقف (١).

ولنا أيضًا أحاديث صحيحة دالة على عذاب القبر أكثر من أن تحصى بحيث تواتر القدر المشترك وإن كان كل واحد منها من قبيل الآحاد، منها ما سبق ذكره.

ومنها: حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنهما - أخرجه مسلم مطولًا وفيه: "تعوذوا بالله من عذاب القبر" (٢).


(١) كتاب المواقف، عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، دار الجيل - لبنان - بيروت - ١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م، الطبعة: الأولى، (٣/ ٥٢٠).
(٢) صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه (٤/ ٢١٩٩) (٢٨٦٧).