للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكقوله: {أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً} (١) {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ} في قومك {الْكَرِيمُ} على عشيرتك؛ استهزاءا واستهانة. وحكي أن أبا جهل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين جبليها أعز ولا أكرم مني، فو الله ما تستطيع أن تفعل أنت ولا ربك شيئا (٢). {إِنَّ هذا} العذاب أو هذا الأمر {ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} تشكون. المقام - بالفتح -: هو موضع القيام، وبالضم: موضع الإقامة، ووصف المكان بالأمين استعارة؛ لأن من أقام فيه لا يخاف. السندس: ما رق من الديباج، والإستبرق: ما غلظ منه، ومعنى كونها عجمية وهي في الكتاب العربي أنها إذا عربت فيه خرجت عن أن تكون عجمية. {كَذلِكَ} أي: الأمر كذلك، أو منصوب على مثل ذلك. {وَزَوَّجْناهُمْ} قرناهم، وقرأ عكرمة {بِحُورٍ عِينٍ} على الإضافة (٣) يعني: من الصنف الذين هم حور العين، والأحور: شديد بياض العين، والعين: الواسعة العين.

فإن قيل: كيف استثنيت الموتة الأولى المذوقة قبل دخول الجنة من الموت المنفي ذوقه قبلها؟ قلنا: لأنه أريد به: لا يذوقون فيها الموت البتة، إلا إن كنت تعد الموتة الأولى واقعة في الثانية؛ فهم يذوقون فيها الموت، وهو من باب التعليق بالمحال.

{فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩)}

{فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ} عطاء من ربك، وقرئ" فضل " (٤) أي: ذلك فضل {فَإِنَّما يَسَّرْناهُ} يعني: هذه السورة وضعناها، ومعناها: ذكرهم بالكتاب المبين {يَسَّرْناهُ} أي: سهلناه حيث أنزلناه عربيا {بِلِسانِكَ} بلغتك؛ إرادة أن يفهمه قومك فيتذكروا {فَارْتَقِبْ} انتظر ما يحل بهم. {إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} ما يحل بك.

***


(١) سورة البقرة، الآية (٢٥٠).
(٢) ذكره الواحدي في تفسيره (٢/ ٩٨٦)، وأبو السعود في تفسيره (٨/ ٦٥).
(٣) تنظر في: الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ١١٩)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٤٣٥)، المحتسب لابن جني (٢/ ٢٦١).
(٤) تنظر في: الكشاف للزمخشري (٣/ ٤٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>