للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرب من السيف والرمح وغيرها.

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧)}

{فَمِنْهُمْ} أي: من الذرية. وقيل: من المرسل إليهم، دل عليه ذكر الإرسال والمرسلين، ونحو وصفهم بأن في قلوبهم الرأفة والرحمة قوله تعالى: {أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ} (١).

والرهبانية: ترهّبهم في الجبال فرارا من الفتنة. وروي أن الجبابرة (٢٩٢ /أ) ظهروا على أصحاب عيسى بعد أن رفعه الله إليه فقاتلوهم مرارا، وقتل الكفار أكثر أصحاب عيسى، وبقي منهم قليل فخافوا أن يفتنهم الكفار فاختاروا الترهب والانقطاع (٢). وانتصابها بفعل مضمر يفسره "ابتدعوها" أي: أحدثوها من عند أنفسهم، ولم يأتهم أمر من الله بذلك.

{ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ} أي: ما فرضناها عليهم {إِلاَّ ابْتِغاءَ} استثناء منقطع؛ أي:

ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله. {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا} يريد أهل الرأفة الذين اتبعوا عيسى.

{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ} لم يحافظوا على ما ابتدعوه من الرهبانية، ويجوز أن تكون الرهبانية معطوفة على الرأفة والرحمة، و {اِبْتَدَعُوها} صفة لها في محل النصب، أي:

وجعلنا في قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية مبتدعة من عندهم، والمعنى: وفقناهم للرحمة بينهم ولابتداع الرهبانية واستحداثها {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا} وهم الذين حافظوا على ما ابتدعوه من الرهبانية. {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ} وهم الذين لم يحافظوا على ما التزموه من الرهبانية.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٨) لِئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ}


(١) سورة الفتح، الآية (٢٩).
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٤٨١)، وروى الطبري في تفسيره (٢٧/ ٢٣٩) نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>