يحلّه، قيل: وما منعك أن تزجره؟ قال: كنت فيما هو أحبّ إليّ من ذاك يعني الصلاة قال: فجعلوا يدعون عليه فقال: لا تفعلوا وقولوا خيراً فإني قد جعلتها صدقة عليه، وقيل لبعضهم في شيء قد كان سرق له: ألا تدعو على ظالمك؟ فقال: ما أحب أن أكون عوناً للشيطان عليه، قيل: أفرأيت لو ردّت إليك سرقتك أكنت تأخذها؟ قال: ولا كنت أنظر إليها إني قد كنت أحللته منها، وقيل لآخر: أدع الله على من ظلمك، قال: ماظلمني أحد ثم قال: إنما ظلم نفسه فلا يكفيه المسكين ظلمه لنفسه حتى أزيده شرّاً، وذهب لبعض المسلمين مال فجاء قوم يعزونه عليه فقال: ما تعزوني على أمر الدنيا، فوالله ما حزنت على ذهابها فكيف على ذهاب شيء منها قيل: ولِمَ؟ قال: شغلني الشكر عليه عن الحزن، وقد كانوا يقولون: إذا ظلموا من الغصب والسرقة وغير ذلك، هذه نعمة الله علينا إذ لم يجعلنا ظالمين مظلومين وجعلنا أعظم مما فاتنا من الظلامة، وقد كان السلف يخافون أن يذكروا الظالم بالسبّ له والدعاء عليه فيكون ذلك زيادة على مظلمتهم.
وقد روينا: من دعا على ظالمه فقد انتصر، وأكثر بعضهم بشتم الحجاج عند بعض السلف فقال له: لا تغرق في شتمته فإن الله ينتصف للحجاج ممن انتهك عرضه كما ينتصف منه لمن أخذ ماله، وفي الخبر أن العبد ليظلم المظلمة، فلا يزال يشتم ظالمه ويسبّه حتى يكون بمقدار ماظلمه، ثم يبقى للظالم عليه مطالبة بما زاد عليه يقتصّ له من المظلوم، وقال بعض العلماء لرجل وقد كان شكا إليه قطع الطريق وأخذ ماله فقال له: إن لم يكن غمك أنّه قد صار في المسلمين من يستحلّ هذا أكثر من غمك بمالك فما نصحت للمسلمين، وسرقت من علي بن الفضيل دنانير وهو يطوف بالبيت فرآه أبوه وهو يبكي ويحزن فقال: أعلى الدنانير تبكي؟ فقال: لا والله، ولكن على المسكين، أنه يسأل يوم القيامة بهم ولا يكون له حجة، وقيل لبعضهم في معنى هذا: أدع على من ظلمك، فقال: إني مشغول بالحزن عليه عن الدعاء عليه؛ فإن ردّ عليّ المتوكّل كلّ ما أخذ منه فالأفضل له أن لا يتملّكه، إن كان قد جعله في سبيل الله ليمضي السبيل، فإن كان قد جعله صدقة على الآخذ نظر في ذلك فإن كان فقيراً حمله فقره على السرقة والخيانة والحاجة أمضى صدقته عليه، وإن كان غير ذلك صرفها إلى فقير، وقد كان بعضهم إذا أخذ له الشيء يشترط فيقول: إن كان فقيراً فهو صدقة عليه، وإن كان محتاجاً فهو في حلّ، وقد أخبرني بعض الأشياخ عن شيخ كان بمكة من العباد أنّه اتهم بعض الحجاج بسرقة هميانه لأنه كان قائماً إلى جانبه، فقال له: كم كان فيه فأخبره، فحمله إلى منزله فوزن له من المال، ثم إنّ أصحابه أعلموه أنهم مزحوا معه وحلّوا هميانه وهو نائم، فجاء هو وأصحابه إليه فردّوا عليه ماله، فقال: ما كانت لتعود إليّ بعد إذ خرجت هي