أملاً من ذلك، كان يبول فيتيمم قبل أن يصل إلى الماء، فيقال له في ذلك إنّ الماء منك قريب، فقال: وما يدريني لعلّي لا أبلغه، ولكن فعله لئلا يهلك من طال أمله من أمته، فجعل فعله نجاة له، فهذا يدلك أن الادخار يتسع ويضيق على قدر مشاهدات العارفين، من قبل أن الشريعة جاءت بالرخصة والعزيمة؛ فالعزائم من الدين للأقوياء الحاملين، والرخص من الدنيا للضعفاء المخمولين، وقد كان الخوّاص يدقق في أحوال التوكل ويذكر أن الادخار يخرج من حد التوكل، ولم يكن يفارقه أربعة أشياء، وكان يقول: ادخارها من تمام حال المتوكل لأنها من أمور الدين؛ الركوة والحبل والإبرة والخيوط والمقراض، وكان سهل يضرب لمدّخر مثلاً في قصر الأمل وطوله فيقول: مثل من يترك الادخار مثل رجل يقول: أريد أن أخرج إلى الأيلة فيقال له: خذ رغيفاً فإن قال: أريد أن أخرج إلى عبادان قيل له خذ رغيفين فإن قال: أريد أن أخرج إلى العسكر قيل له: خذ أربعة أرغفة قال: فكذلك ترك الادخار على قدر قصر الأمل وطوله، وأعجب ما سمعت في انقطاع الأمل ما حكي أنّ موسى والخضر اجتمعا، فشكا موسى إلى الخضر الجوع فقال: أقعد فقعد، فتكلم الخضر بشيء فأقبل ظبي مخيض حتى وقف بينهما، فوقع نصفين نصفه إلى الخضر مشويّاً ونصفه إلى موسى نيّئاً، فقال له الخضر: قم فاقدح
ناراً واشوِ نصيبك، وأخذ الخضر يأكل، ففعل ذلك موسى ثم سأله: لِمَ وقع نصفه إليك مشويّاً؟ فقال: إنه لم يبقَ لي في الدنيا أمل، وعلى ذلك فإن الادخار ينقص من فضائل الزاهدين بمقدار ما يمنع من حقيقة الزهد، وفي حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة في ذكر الفقير الذي أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليّاً وأسامة، فغسلاه وكفنه ببردته فلما دفنه قال لأصحابه: إنه يبعث يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر، ولولا خصلة كانت فيه لبعث وجهه كالشمس الضاحية فقلنا: وما هي يا رسول الله قال: إنه كان صوّاماً قوّاماً كثير الذكر لله، غير أنّه كان إذا جاءه الشتاء ادّخر حلّة الصيف لصيفه، وإذا جاءه الصيف ادّخر حلة الشتاء لشتائه من قابل، ثم قال: من أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر، ومن أعطى حظه منها لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار، وحدثونا عن بعض العارفين قال: رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت، وكان الناس