للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيد أن هذا القول الحق لم يعف داود عليه السلام من نتائج حكمه غير المسدد وسبب عدم تسديده أمران، أولهما مطاوعته لرقة قلبه لوضع ذي النعجة الواحدة، خاصة أنه الشاكي، ولا يغلب على الشعور إلا أن الشاكي هو المعتدى عليه في أي الاحتكام يقع بين خصمين، فتعجل عليه السلام بإصدار الحكم لصالح الشاكي قبل أن يسمع دفاع لمشكو تجاه شاكيه وهذا أمر لا يمكن أن يبيحه الله الذي شدد فرضية العدل في ملكوته،.

والأمر الثاني الذي جعل الحكم غير مسدد هو- والله أعلم- أن داود عليه السلام وهو يؤدي أول اختبار في الفصل في القضايا، دفعه الحنان أيضا إلى عدم انتظار توجيه السماء، فما كان مرسله سبحانه يدعه ليحيد، فكان عليه وهو نبي من أهل الوحي أن ينتظر حتى تهبط عليه طريقة الفصل في المنازعات لتصبح الركائز المعروضة فقط وقتئذ.

فكانت نتيجة امتحان داود في نهاية الموضوع هو قوله سبحانه {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} ، والظن هنا بمعنى الإدراك والعلم، وبالصورة التي أعلمه بها، وليس بخرافات الإسرائيليات التي أترعت بها التفاسير الغثة، عندما وقع في مصيدتها عشاق الأقاصيص، {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} امتحناه وما جفيناه، حيث قبلنا سجدته وغفرنا هفوته وأحسنا أوبته {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} ذلك لأن الدرس أفاض عليه كامل المعرفة بأسرار القضايا وخبايا المشاكل البشرية التي سيظل الإنسان يتخبط فيها بسبب ماديته المتأصلة فيه، وبعده عن الروحية المتوادة المتسامحة.