للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد تقدمت أدلة القائلين بالوجوب كما تقدمت مناقشتها. ويمكن تلخيصها فيما يلي: أن الأمر الوارد فيها يحمل على الندب لحديث الترمذي الذي رواه محسناً والحاكم مصححاً من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي:"توضأ كما أمرك الله تعالى ". فأحاله على الآية وليس فيها ذكر الإستنشاق، ولأنه قد ورد الأمر بالإستنثار ومع ذلك لم يقل أحد بوجوبه غير الظاهرية.، رواية عن أحمد ولا يعتد برأيهم في القول بوجوبه لمخالفتهم الإجماع. أما الاحتجاج بمواظبته صلى الله عليه وسلم على الاستنشاق فلا يصلح دليلا على وجوبه لأنه صلى الله عليه وسلم قد واظب على غسل الكفين قبل إدخالهما في الإناء في الوضوء وعلى الإستنثار ومع ذلك فهما من سنن الوضوء عند غالبية الفقهاء. وأما ما نقل عن الفقهاء في طلب إعادة الصلاة ممن نسي المضمضة والإستنشاق، فيحمل على إعادتها ندباً ويؤيده التعبير بلفظ: أحبّ إلى.

أما تفرقة أبي حنيفة ومن معه بين الوضوء والغسل في حكم الإستنشاق: فقد تم بيان أدلتهم؟ مناقشتها في مناسبة الكلام على المضمضة فلا داعي لإعادتها [٢٨٧] .

الحكمة من الإستنشاق والإستنثار:

أ- إزالة آثار الشيطان الذي يبيت على خياشيم المرء لما جاء في مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات. فإن الشيطان يبيت على خياشيمه " [٢٨٨] .

وقد حمل بعض العلماء الحديث على الحقيقة: بمعنى أن الشيطان يبيت حقيقة على الخياشيم، والخياشيم جمع خيشوم وهو أعلى الأنف.

وحمله آخرون على الإستعارة: لأن ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم: قذارة توافق الشيطان. قال صاحب المفهم:"وهذا على عادة العرب في نسبتهم المستخبث والمستبشع إلى الشيطان.."