وفي اعتقادي أن كل ما أوتيه أيوب عليه السلام من الأجر على الصبر، لا يساوي كلمة المدح التي سُكِبَتْ عليه من ربه، {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} رجاع تواب فعل هذا وهو تحت وطأة الداء، فقد ذكروا أن زوجته قالت له كلمة، فهم منها استبطاءها لشفائه، لطول علته التي أضنته، فقال لها غاضبا، والله ما أنصفت الله، أيُفيض علينا من نعمه أربعين سنة، ولا نصبر على ابتلائه بضع سنين، والله إن شفيت لأضربنك مائة ضربة، فهو عليه السلام قد غضب لربه وهو في شدة ابتلائه من الذي غضب لأجله، فكان نعم الجزاء هذا الثناء، بل وشملت رحمته زوجته {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ، ونُقل عن علي رضي الله عنه هذه الحكاية "لما ضاق بختنصر بنبي الله دانيال عليه السلام، أمر بوضعه في جب مع أسدين، وأغلق عليه خمسة أيام، ثم نظر ليرى ماذا فعل الأسدان بدانيال، فوجده بجانب الجب يصلي، والأسدان لم يفعلا به ضرا، فقال له بختنصر: أخبرني ماذا فعلت حتى دُفع عنك؟ قال: قلت: الحمد لله الذي لا ينسى مَنْ ذكره، الحمد لله الذي يكشف حزننا عند كربنا، الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة) ، ويقول شريح: "ما أصيب عبد بمصيبة، إلا كان لله عليه فيها ثلاثُ نعم، ألا تكون كانت في دينه، وألا تكون أعظم مما كانت، وأنها لابد كائنة فكانت"، وذكر في تفسير قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم قوله في تعريف أصحاب هذه الآية "من ابتلي فصبر، وأعطي فشكر، وظُلم فغفر، وظَلَم فاستغفر، ثم شكر، وهنا سكت صلى الله عليه وسلم، قالوا: ما له يا رسول الله؟ قال: أولئك