وإذا قام هذا الصراع بين العلم والدين في المسيحية - لأن الكنيسة صادرت كل كلمة يقولها العلم، وعزلت الدين عن الدنيا، فأخذ العلم وجهة غير وجهة الدين - فإنه لا مجال أبدا لأن يقوم مثل هذا الصراع بين العلم والدين في رحاب الإسلام؛ لأن الإسلام يؤاخي بين العلم والدين، ويجعل الدين علما، والعلم رائدا هاديا إلى الدين، وكلمة العلم وما يشتق منها من أكثر الكلمات دورانا في القرآن الكريم؛ فقد ورد ذكر العلم ومشتقاته أكثر من ثمانمائة وعشرين مرّة في الكتاب الكريم.
فالعلم هو رسالة الإسلام، وبالعلم يَعرف الإنسان ربه وخالقه، وما يجب عليه من ولاء لله واستقامة على أوامره واجتناب لنواهيه، حيث لا يكون عمل إلا عن علم، ولهذا كانت دعوة الإسلام إلى طلب العلم، وإلى الاجتهاد الدائب في طلبه، يقول الله جل جلاله:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[١٢] ، ويقول سبحانه وتعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[١٣] ، ويقول عزّ وجل لنبيّه الكريم:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}[١٤] .
فالدعوة إلى العلم دعوة كريمة مستحبة من كل ذي عقل؛ لأن العلم سبيل الإنسان إلى الكمال العقلي والسمو الروحي، حيث يميز به الحق من الباطل، والهدى من الضلال، والخير من الشر، والنافع من الضار.
أما العلمانية التي يروّج لها المستشرقون فتدعو إلى العلم الذي ينعزل عن الدين؛ فلا مجال لها في الإسلام، ولا ينبغي أن تظهر في المجتمع الإسلامي؛ لأن الإسلام جامعة العلم والمعرفة، الأمر الذي لا يمكن أن تقوم معه جفوة بين العلم والدين أبدا؛ فلا ينبغي أن يقبل مسلم دعوة إلى الفصل بين العلم والدين؛ لأن من يقبل هذه الدعوة يكون جاهلا بحقائق الإسلام؛ فلا يكون مسلما ولا عالما.