ولكن في الواقع إن الذي يدرس أحوال المعسكر النصراني الصليبي يجد أن هذه العوامل ليست هي كل العوامل التي تؤثر على معاملته لنا وعلاقته بنا، وتوجهها وجهة معينة، بل إنه يعثر على عامل آخر يبدو من نظراته للمسلمين ومعاملته لهم. وقد كان نتيجة الدروس التي خرج بها: أن المسلمين إذا حلت بهم هزيمة - نتيجة ضعفهم وتمزقهم وبعدهم عن دينهم - إن هذه الهزيمة لم تكن دائمة ولو طال أمدها، بل كانت هزيمة مؤقتة لا تلبث أن تتعقبها صحوة لهذا العملاق المسلم فينقض على أعدائه يطاردهم حتى في عقر دارهم فيفتح بلاداً جديدة، ينشر فيها الإسلام وينتزعها من أعدائه الذين غلبوه في ساعة غفلته وانقسامه وضعفه.. وأن هذه البلاد التي يفتحها يستأثر بها إلى الأبد ويحول أهلها إلى مسلمين..
لقد حدث هذا أكثر من مرة وتكرر عبر التاريخ، ومن ثم فالمعسكر النصراني الصليبي ما زال يخشى حدوثه اليوم ويخشى أن يعيد التاريخ نفسه..
يروي الحاج أمين الحسيني في بعض مذكراته: أن دول المعسكر النصراني الصليبي تعارض وحدة أيٍّ من الأقطار الإسلامية في دولة واحدة خشية أن تعود لهم قوتهم بوحدتهم، ومن ذلك معارضتهم استقلال دول المغرب العربي ووحدتها، في حديث كان بينه وبين (بروفر) وكيل وزارة الخارجية الألمانية للشؤون الشرقية في حكومة هتلر النازية [١٣] . ويقول الحاج أمين حين ألمح لبروفر:"أن معارضة دول المعسكر النصراني الصليبي لاستقلال دول المسلمين قد تدفعنا للتعاون مع دول المعسكر الشيوعي ومن ثم تحولها للشيوعية التي تخاف منها أوروبا".
قال: فأجابني بروفر قائلاً:"إن هذه الدول الاستعمارية ترى أن الإسلام أشد خطراً من الشيوعية، لأن الشيوعية تمكن معالجتها ودرء أخطارها برفع مستوى المعيشة عند الشعوب وتعميم العدل الاجتماعين وغير ذلك من الوسائل".