للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن الحكمة إتقان الأمور وإحكامها، بأن تُنزل الأمور منازلها، وتوضع في مواضعها. وليس من الحكمة التعجل في الدعوة إلى الله تعالى، وأن ينقلب الناس عن حالهم التي هم عليها إلى الحال التي كان عليها الصحابة بين عشية وضحاها، ومن أراد ذلك فهو سفيه في عقله، بعيد عن الحكمة، لا ن حكمة الله عز وجل تأبى أن يكون هذا الأمر. ويدلل لهذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم - وهو الذي ينزل عليه الكتاب - نزل عليه الشرع متدرجاً حتى استقر في النفوس وكمل.

فالدعوة إلى الله تعالى تكون على أربع مراتب:

١- بالحكمة.

٢-ثم بالموعظة الحسنة.

٣- ثم بالجدال بالتي هى أحسن لغير الظالم.

٤- ثم بالفعل الرادع للظلم (١) .

ومن الأمثلة التي ضربها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة الناس بالحكمة موقفه مع الأعرابي الذي بال في المسجد.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول اللهصلى الله عليه وسلم: مه مه (٢) ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزرموه (٣) دعوه" فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعاه فقال له: "إنَّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنَّه عليه" (٤) .


(١) انظر الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات، للشيخ محمد بن عثيمين، ٣٥.
(٢) مه: كلمة زجر، لسان العرب، لابن منظور، ١٣ /٥٤٢.
(٣) لا تزرموه أي لا تقطعوا عليه بوله، والازرام: القطع. انظر شرح النووي على صحيح مسلم، ٣/١٩٠.
(٤) صحيح مسلم، ١/٢٣٧، كتاب الطهارة، باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد، رقم ٢٨٦، ومعنى شنه عليه: أي صبه عليه.