للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما أًحْدِثَ: تَمْصِيُر الكوفةِ، والبصْرة، والمناير، ووضْعُ الدَّواوين، وخزائن الأموال، وأمثال ذلكَ مما فعله الخلفاء الراشدون، والأئمة، أو الأمَّةُ كلُّها.

و [إن] استدَلَّ مُتَكَلم على من أَنكر عليه بعض حجاجه، ومسائله، بأنَه بدعة؛ لأنَّ السلف لم ينقَل عنهم نهيك عن هذا، فلابُدَّ أن تجيبه بأن السًلفَ ما احتاجوا إلى النَهي، ودَلَتِ النُّصُوصُ على النَّهْىِ، فالنَهْي حَسَنٌ.

وأيضاً فإذا كان الَفعل بدعة، والبدعة ضلالةٌ، فهذا تناقض.

فالفعل إن ثبت حُسْنُه بأدلَّةٍ شَرعيَّةٍ، فالنَّهْيُ عنه بِدعةٌ، وإن لم يَدَّل عليه الشرع فهو بدعة، والنَّهْي عنه سُنَة.

ورُبمًا كان فَصْلُ الخطاب، أنَّ بعض الفعل حَسَن، وبَعْضُه سيّئ، مثاله: النَظَر والمُنَاظَرَةُ، فالجدالُ بالحسنى حَسَنٌ، ومِنْه مَذْمُومٌ، قال الله تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا} (١) ، وقال تعالى يجمع الأمرين: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} (٢)

فمن جادل في الحق بعد ما تبين فهو مَذْمُوم، سواء قصد نصر إمَامِه، أو هَوَاه، وجادل بلا علم.

ومنه قوله عليه السلام في السُّنَنِ: "القُضاةُ ثلاثة: قاضيان في النَّارِ وقاضٍ في الجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الحق فقَضَى به فهو في الجنَّةِ، ورجلٌ قَضَى على جهلٍ فَهو في النارِ، ورَجُلٌ عَلِمَ الحَقَّ فقَضَى بخلافه، فهو في النَار" (٣)

وكذلك الْمُفْتِي، والشَّاهد، والمفتي، والمصنِّف، والمحدِّث، فمن تكلم بلا علم فجاهل، أو حَادَ عن الحقِّ فظالم، أو تكلم بعلم فله أجران إنْ أَصابَ، أو أجرٌ إِنْ أخطأ.

فمن جادل الخَصْمَ بحُجَجٍ صَحِيحة دَلَّ عليها النَّصُّ أو الإِجماع عند الحاجَةِ فَهُو مُحْسِنٌ إن صَلحت نِيَّتُه، وذلك من فُروض الكفايات والنّهْي عنه عدوان.