للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ نُقِلَ في الشَّاذِّ: غير المغضوب عَلَيْهِم وَغير الضَالِين. نقل ذلِكَ عن عمر وعلي وأبيّ (١) ، وَهِيَ قِرَاءَةٌ جيدة إلا إنّها لَمْ يُقْرَأْ بها في السَّبْعِ.

فإنْ قلتَ: كَيْفَ تكونُ غيرُ نعتاً للمعرفة وهي نكرة، لأنّ إضافتَها لَيْسَتْ للتّعريف؟

قلتُ: غيْرُ هُنا إذا لم تُضفْ إضافَة تعريفٍ تَجرِي على النّكراتِ وعلى المعارِف بالألف واللامِ إذا كان ذلِكَ على طريق الجنس، لأنَّ الجنسَ عامٌ، ولا يتعَينّ ما يقعُ عَليهِ فجرى لذلك مجرى النكرة في هذا.

وذهب الزّجاجُ إلى أنّ (غيرِ المغْضُوب) هم المنْعَمُ عَلَيْهِم. (٢) فقد صار على هذا بهذه الملاحظة غير معرفة، أَلا ترى أنَّك إذا قلتَ: رأيتْ الصّالح غيرَ الطَّالح قد تَعَرَّفَ لأنَّه ماعدا الصّالحين، فَلأَجْلِ هذا وَقَعتْ غَيرُ صفةً للمعرفة بالألف واللام، لأِنَّ الثّاني ضِدَّ الأوّل فوقع بذلك التّعريفُ. وذَكَر هذا القولَ ابن عَطِيّة (٣) عن ابن السَّراجِ، وكان الأستاذ أبو علي يَردُّ هذا القولَ، ويقولُ: قَدْ جاء في كِتاب الله عَزَّ وجَلّ: (نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ) (٤) وبلا شَك أنَّ الثّاني ضدّ الأوّلَ، وَقد جرى على النّكِرة فكيف يقول: إنَّ هذا يُوجَدُ للتّعريف؟.

والصّحيحُ ما ذكرتُهُ أوّلاً أنّ تعريف الجنسِ لَيْسَ بالقَوِيّ ة لأنّهُ لَيْسَ بمقصودٍ قصْدَهُ. وَقَد يُعاقِبُ النّكرة فيما وُضِعَ (٥) على معنى واحدٍ، ألا ترى أنَّك تَقْولُ: ما يَصْلُحُ بالرّجلِ مِثْلِكَ أَنْ يفعلَ هذا فيكون على معنى مَا يصلُحُ بالرّجلِ الّذي هو مِثلُكُ أنْ يَفْعَلَ هذا، ومعناهما واحد.


(١) ينظر المحرر الوجيز ١/ ١٣١، وفتح الباري كتاب التفسير ٨/ ١٥٩.
(٢) ينظر معاني القرآن وإعرابه ٥٧/١.
(٣) ينظر المحرر الوجيز ١/ ١٢٤.
(٤) سورة فاطر آية: ٣٧.
(٥) في الأصل: في مواضع.