وبعد ذلك قام الأشرف خليل بالاستيلاء بسهولة على بقية ما تبقى بأيدي الصليبين مثل صور وحيفا اللتين قاومتا مقاومة كبيرة، ثم اضطرتا للتسليم فنجتا بذلك من التخريب، ثم استولى الأشرف خليل على عتليت وصيدا وانطرسوس، وبهذا تم القضاء نهائيا على الوجود الصليبي في الشام، وإن كان الصليبيون في جزيرة إرواد المقابلة للساحل الشرقي قد ظلوا يغيرون على السواحل بين الفينة والأخرى ويقطعون الطرق، مما أزعج نائب السلطنة المملوكية على الشام، وجعله يطلب معونة السلطان الناصر محمد بن قلاوون، فجهز أسطولا ووجهه نحو هذه الجزيرة بعد أن ضم إليه جيش طرابلس ففتحها وملكها وقتل من أهلها خمسمائة وذلك عام ٧٠٢ هـ (١٣٠٢م) .
وهكذا بالقضاء على الصليبين في عام ٦٩٠ هـ (١٢٩١م) وبزوال الخطر المغولي عن الشام ومصر، أصبح لدولة المماليك شأن عظيم في السياسة الدولية خصوصاً في عهد سلطانها الناصر محمد ابن قلاوون في سلطنته الثالثة.
أدرك الصليبيون في أوربا فشل محاولاتهم المتلاحقة للعدوان على بلاد الإسلام في الشام ومصر، ورأوا زوال آخر إماراتهم بعد قرنين من تأسيسها، رغم ما بذل في سبيل إقامتها من جهود مادية ومعنوية، ومن سفك في سبيلها من دماء، كما لمسوا فتور الحماس الصليبي، بعد فشل حملتي لويس التاسع السابعة والثامنة على مصر وتونس، لذلك اضطروا إلى تقبيل اليد التي حاولوا قطعها فلجأوا إلى الدبلوماسية والمراسلات والسفراء والهدايا، علهم يحققون عن طريقها ما فشلوا في تحقيقه بالتعصب والسيف.